فصل: (فَصْلٌ) فِي الْفُصْلَانِ وَالْحُمْلَانِ وَالْعَجَاجِيلِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير للعاجز الفقير



.بَابُ صَدَقَةِ السَّوَائِمِ:

.(فَصْلٌ فِي الْإِبِلِ):

قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا سَائِمَةً، وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا شَاةٌ إلَى تِسْعٍ، فَإِذَا كَانَتْ عَشْرًا فَفِيهَا شَاتَانِ إلَى أَرْبَعَ عَشْرَةَ، فَإِذَا كَانَتْ خَمْسَ عَشْرَةَ فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ إلَى تِسْعَ عَشْرَةَ، فَإِذَا كَانَتْ عِشْرِينَ فَفِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ إلَى أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ) وَهِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي الثَّانِيَةِ. (إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ، فَإِذَا كَانَتْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ) وَهِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي الثَّالِثَةِ إلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ (فَإِذَا كَانَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ) وَهِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي الرَّابِعَةِ (إلَى سِتِّينَ، فَإِذَا كَانَتْ إحْدَى وَسِتِّينَ فَفِيهَا جَذَعَةٌ) وَهِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي الْخَامِسَةِ (إلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ، فَإِذَا كَانَتْ سِتًّا وَسَبْعِينَ فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ إلَى تِسْعِينَ، فَإِذَا كَانَتْ إحْدَى وَتِسْعِينَ فَفِيهَا حِقَّتَانِ إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ) بِهَذَا اشْتَهَرَتْ كُتُبُ الصَّدَقَاتِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ثُمَّ) إذَا زَادَتْ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ (تُسْتَأْنَفُ الْفَرِيضَةُ) فَيَكُونُ فِي الْخَمْسِ شَاةٌ مَعَ الْحِقَّتَيْنِ، وَفِي الْعَشْرِ شَاتَانِ، وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ، وَفِي الْعِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ، وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ، إلَى مِائَةٍ وَخَمْسِينَ فَيَكُونُ فِيهَا ثَلَاثُ حِقَاقٍ، ثُمَّ تُسْتَأْنَفُ الْفَرِيضَةُ فَيَكُونُ فِي الْخَمْسِ شَاةٌ، وَفِي الْعَشْرِ شَاتَانِ، وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ، وَفِي الْعِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ، وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ، وَفِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَةً وَسِتًّا وَتِسْعِينَ فَفِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ إلَى مِائَتَيْنِ ثُمَّ تُسْتَأْنَفُ الْفَرِيضَةُ أَبَدًا كَمَا تُسْتَأْنَفُ فِي الْخَمْسِينَ الَّتِي بَعْدَ الْمِائَةِ وَالْخَمْسِينَ وَهَذَا عِنْدَنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا زَادَتْ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ وَاحِدَةً فَفِيهَا ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ، فَإِذَا صَارَتْ مِائَةً وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ وَبِنْتَا لَبُونٍ، ثُمَّ يُدَارُ الْحِسَابُ عَلَى الْأَرْبَعِينَاتِ وَالْخَمْسِينَاتِ فَتَجِبُ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَتَبَ «إذَا زَادَتْ الْإِبِلُ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ» مِنْ غَيْرِ شَرْطِ عَوْدِ مَا دُونَهَا. وَلَنَا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَتَبَ فِي آخِرِ ذَلِكَ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْم: «فَمَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، فَفِي كُلِّ خَمْسِ ذَوْدٍ شَاةٌ» فَنَعْمَلُ بِالزِّيَادَةِ (وَالْبُخْتُ وَالْعِرَابُ سَوَاءٌ) فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ لِأَنَّ مُطْلَقَ الِاسْمِ يَتَنَاوَلُهُمَا.
الشَّرْحُ:
(بَابُ صَدَقَةِ السَّوَائِمِ) سَامَتْ الْمَاشِيَةُ سَوْمًا وَأَسَامَهَا رَبُّهَا إسَامَةً. بَدَأَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَفْصِيلِ أَمْوَالِ الزَّكَاةِ بِالسَّوَائِمِ اقْتِدَاءً بِكُتُبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّمَا كَانَ فِي كُتُبِهِ كَذَلِكَ لِأَنَّهَا كَانَتْ إلَى الْعَرَبِ، وَكَانَ جُلُّ أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفَسُهَا الْإِبِلُ فَبَدَأَ بِهَا. وَالسَّائِمَةُ الَّتِي تَرْعَى وَلَا تُعْلَفُ فِي الْأَهْلِ.
وَفِي الْفِقْهِ: هِيَ تِلْكَ مَعَ قَيْدِ كَوْنِ ذَلِكَ لِقَصْدِ الدَّرِّ وَالنَّسْلِ حَوْلًا أَوْ أَكْثَرَهُ، وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُ السَّائِمَةِ فِي الْهِدَايَةِ وَنَذْكُرُ هُنَاكَ الْخِلَافَ. فَلَوْ أُسِيمَتْ لِلْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ لَمْ تَكُنْ السَّائِمَةَ الْمُسْتَلْزَمَةَ شَرْعًا لِحُكْمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ، بَلْ لَا زَكَاةَ فِيهَا، وَلَوْ أَسَامَهَا لِلتِّجَارَةِ كَانَ فِيهَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ لَا زَكَاةُ السَّائِمَةِ، وَقَدْ عَيَّنَ فِي الْكِتَابِ أَسْنَانَ الْمُسَمَّيَاتِ. وَأَمَّا اشْتِقَاقُ الْأَسْمَاءِ فَسُمِّيَتْ بِنْتُ الْمَخَاضِ بِهِ لِأَنَّ أُمَّهَا تَكُونُ مَخَاضًا بِغَيْرِهَا عَادَةً: أَيْ حَامِلًا، وَيُسَمَّى أَيْضًا وَجَعُ الْوِلَادَةِ مَخَاضًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ} وَبِنْتُ اللَّبُونِ لِأَنَّ أُمَّهَا تَكُونُ ذَاتَ لَبَنٍ تُرْضِعُ بِهِ أُخْرَى، وَالْحِقَّةُ لِأَنَّهَا حُقَّ لَهَا أَنْ تُرْكَبَ وَيُحْمَلَ عَلَيْهَا، وَالْجَذَعَةُ لِمَعْنًى فِي أَسْنَانِهَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ اللُّغَةِ.
قولهُ: (لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسٍ ذَوْدٌ) الذَّوْدُ: يُقَالُ مِنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ الْإِبِلِ إلَى عَشَرَةٍ، وَقَدْ اسْتَعْمَلَهَا هُنَا فِي الْوَاحِدِ عَلَى نَظِيرِ اسْتِعْمَالِ الرَّهْطِ فِي قوله تَعَالَى: {تِسْعَةُ رَهْطٍ} وَقَصَدَ الْمُصَنِّفُ بِذَلِكَ مُتَابَعَةَ لَفْظِ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ عَنْهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ تَقْدِيرَ النِّصَابِ وَالْوَاجِبِ أَمْرٌ تَوْقِيفِيٌّ.
وَفِي الْمَبْسُوطِ: إنَّ إيجَابَ الشَّاةِ فِي خَمْسَةٍ مِنْ الْإِبِلِ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ رُبْعُ الْعُشْرِ بِقولهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسلام: «هَاتُوا رُبْعَ عُشْرِ أَمْوَالِكُمْ» وَالشَّاةُ تَقْرَبُ مِنْ رُبْعِ عُشْرِ الْإِبِلِ، فَإِنَّ الشَّاةَ كَانَتْ تُقَوَّمُ بِخَمْسَةٍ وَبِنْتَ مَخَاضٍ بِأَرْبَعِينَ، فَإِيجَابُ الشَّاةِ فِي خَمْسٍ كَإِيجَابِ الْخَمْسَةِ فِي مِائَتَيْنِ.اهـ. وَسَيَأْتِي فِي الْحَدِيثِ فِيمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ سِنٌّ فَلَمْ يُوجَدْ عِنْدَهُ وَضَعَ الْعَشَرَةَ مَوْضِعَ الشَّاةِ عِنْدَ عَدَمِهَا وَهُوَ مُصَرَّحٌ، بِخِلَافِ مَا قَالَ وَسَنُنَبِّهُك عَلَيْهِ. ثُمَّ ظَاهِرُ الْغَايَةِ فِي قولهِ إلَى تِسْعٍ كَوْنُهَا غَايَةً لِلْوُجُوبِ، وَإِنَّمَا يَتَمَشَّى عَلَى قول مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّهُ جَعَلَ الزَّكَاةَ وَاجِبَةً فِي النِّصَابِ، وَالْعَفْوُ وَالْغَايَةُ غَايَةُ إسْقَاطٍ لِأَنَّ الْمَعْنَى وُجُوبُ الشَّاةِ مُسْتَمِرٌّ إلَى تِسْعٍ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْإِبِلِ هُوَ الْإِنَاثُ أَوْ قِيمَتُهَا، بِخِلَافِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فَإِنَّهُ يَسْتَوِي فِيهِ الذُّكُورَةُ وَالْأُنُوثَةُ.
قولهُ: (بِهَذَا اشْتَهَرَتْ كُتُبُ الصَّدَقَاتِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مِنْهَا كِتَابُ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَفَرَّقَهُ فِي ثَلَاثَةِ أَبْوَابٍ عَنْ ثُمَامَةَ: أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ لَهُ هَذَا الْكِتَابَ لَمَّا وَجَّهَهُ إلَى الْبَحْرَيْنِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَاَلَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَهُ، فَمَنْ سُئِلَهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَلْيُعْطِهَا عَلَى وَجْهِهَا، وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَهُ فَلَا يُعْطِهِ. فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ فَمَا دُونَهَا مِنْ الْغَنَمِ فِي كُلِّ خَمْسِ ذَوْدٍ شَاةٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ أُنْثَى، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ إلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ أُنْثَى، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ إلَى سِتِّينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْجَمَلِ، فَإِذَا بَلَغَتْ إحْدَى وَسِتِّينَ إلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَفِيهَا جَذَعَةٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَسَبْعِينَ إلَى تِسْعِينَ فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ إحْدَى وَتِسْعِينَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْجَمَلِ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ ابْنَةُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، ثُمَّ سَاقَ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ فِي الْغَنَمِ. ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْبَابِ الثَّانِي عَنْ ثُمَامَةَ وَقَالَ فِيهِ: مَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ مِنْ الْإِبِلِ صَدَقَةَ الْجَذَعَةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ جَذَعَةٌ وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ فَإِنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْهُ الْحِقَّةُ وَيَجْعَلُ مَعَهَا شَاتَيْنِ إنْ اسْتَيْسَرَتَا لَهُ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ الْحِقَّةُ وَعِنْدَهُ الْجَذَعَةُ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْجَذَعَةُ وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ، وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ لَبُونٍ وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْحِقَّةُ وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ، وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ لَبُونٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ بِنْتُ مَخَاضٍ وَيُعْطِي مَعَهَا عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ انْتَهَى. فَقَدْ جَعَلَ بَدَلَ كُلِّ شَاةٍ عِنْدَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا عَشَرَةً، وَهَذَا يُصَرِّحُ بِخِلَافِ الِاعْتِبَارِ الَّذِي اعْتَبَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إنَّمَا تُجْعَلُ عِنْدَ عَدَمِهَا قِيمَتُهَا إذْ ذَاكَ.
ثُمَّ قَالَ: وَفِي الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ شَاةً، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ إلَى مِائَتَيْنِ فَفِيهَا شَاتَانِ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مِائَتَيْنِ إلَى ثَلَاثِمِائَةٍ فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ فَفِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٍ شَاةٌ، فَإِذَا كَانَتْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ نَاقِصَةً مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةٍ وَاحِدَةً فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا، وَفِي الرِّقَةِ رُبْعُ الْعُشْرِ، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ إلَّا تِسْعِينَ وَمِائَةً فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا.
وَفِي الْبَابِ الثَّالِثِ عَنْ ثُمَامَةَ أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُ فَسَاقَ الْحَدِيثَ، وَفِيه: «لَا يَخْرُجُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ وَلَا ذَاتُ عَوَارٍ وَلَا تَيْسٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُصَدِّقُ». وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ حَدِيثًا وَاحِدًا وَزَادَ فِيهِ: «وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ» وَقَدْ يُوهِمُ لَفْظُ بَعْضِ الرُّوَاةِ فِيهِ الِانْقِطَاعَ لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ صَحِيحٌ، قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ. وَمِنْ الْكُتُبِ كِتَابُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ فَذَكَرَهُ عَلَى وِفَاقِ مَا تَقَدَّمَ، وَزَادَ فِيهِ: «لَا يَجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، وَلَا يُفَرِّقْ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ مَخَافَةَ الصَّدَقَةَ» وَلَمْ يَذْكُرْ الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ هَذَا الْحَدِيثَ وَلَمْ يَرْفَعُوهُ، وَإِنَّمَا رَفَعَهُ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ، وَسُفْيَانُ هَذَا أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ وَاسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ، وَقَدْ تَابَعَ سُفْيَانَ عَلَى رَفْعِهِ سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ، وَهُوَ مِمَّنْ اتَّفَقَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِحَدِيثِهِ، وَزَادَ فِيهِ ابْنُ مَاجَهْ بَعْدَ قولهِ وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ: فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِنْتُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٍ، وَزَادَ فِيهِ أَبُو دَاوُد زِيَادَةً مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: هَذِهِ نُسْخَةُ كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كَتَبَهُ فِي الصَّدَقَةِ وَهِيَ عِنْدَ آلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَقْرَأَنِيهَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَوَعَيْتهَا عَلَى وَجْهِهَا، وَهِيَ الَّتِي انْتَسَخَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
وَقَالَ فِيهِ: «فَإِذَا كَانَتْ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَمِائَةً، فَإِذَا كَانَتْ ثَلَاثِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ وَحِقَّةٌ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَثَلَاثِينَ وَمِائَةً، فَإِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا ثَلَاثُ حِقَاقٍ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَخَمْسِينَ وَمِائَةً، فَإِذَا كَانَتْ سِتِّينَ وَمِائَةً فَفِيهَا أَرْبَعُ بَنَاتِ لَبُونٍ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَسِتِّينَ وَمِائَةً، فَإِذَا كَانَتْ سَبْعِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَحِقَّةٌ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَسَبْعِينَ وَمِائَةً، فَإِذَا كَانَتْ ثَمَانِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَبِنْتَا لَبُونٍ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَثَمَانِينَ وَمِائَةً، فَإِذَا كَانَتْ تِسْعِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا ثَلَاثُ حِقَاقٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَتِسْعِينَ وَمِائَةً، فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ». ثُمَّ ذَكَرَ سَائِمَةَ الْغَنَمِ عَلَى مَا ذَكَرَ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ، وَهَذَا مُرْسَلٌ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ. وَقَدْ اشْتَمَلَ كِتَابُ الصِّدِّيقِ وَكِتَابُ عُمَرَ عَلَى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَهِيَ: وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بِالسَّوِيَّةِ، وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ مَخَافَةَ الصَّدَقَةِ، وَلَا بَأْسَ بِبَيَانِ الْمُرَادِ إذْ كَانَ مَبْنَى بَعْضِ الْخِلَافِ، وَذَلِكَ إذَا كَانَ النِّصَابُ بَيْنَ شُرَكَاءَ وَصَحَّتْ الْخُلْطَةُ بَيْنَهُمْ بِاتِّحَادِ الْمَسْرَحِ وَالْمَرْعِي وَالْمُرَاحِ وَالرَّاعِي وَالْفَحْلِ وَالْمِحْلَبِ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ عِنْدَهُ لِقولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ» الْحَدِيثَ.
وَفِي عَدَمِ وُجُوبِ تَفْرِيقِ الْمُجْتَمِعِ، وَعِنْدَنَا لَا تَجِبُ وَإِلَّا لَوْ وَجَبَتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ فِيمَا دُونَ النِّصَابِ. لَنَا هَذَا الْحَدِيثُ، فَفِي الْوُجُوبِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَمْلَاكِ الْمُتَفَرِّقَةِ إذْ الْمُرَادُ الْجَمْعُ وَالتَّفْرِيقُ فِي الْأَمْلَاكِ لَا الْأَمْكِنَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ النِّصَابَ الْمُفَرَّقَ فِي أَمْكِنَةٍ مَعَ وَحْدَةِ الْمِلْكِ تَجِبُ فِيهِ، وَمَنْ مَلَكَ ثَمَانِينَ شَاةً لَيْسَ لِلسَّاعِي أَنْ يَجْعَلَهَا نِصَابَيْنِ بِأَنْ يُفَرِّقَهَا فِي مَكَانَيْنِ، فَمَعْنَى لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ: أَنَّهُ لَا يُفَرِّقُ السَّاعِي بَيْنَ الثَّمَانِينَ مِثْلًا أَوْ الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ لِيَجْعَلَهَا نِصَابَيْنِ وَثَلَاثَةً، وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ: لَا يَجْمَعُ مَثَلًا بَيْنَ الْأَرْبَعِينَ الْمُتَفَرِّقَةِ بِالْمِلْكِ بِأَنْ تَكُونَ مُشْتَرَكَةً لِيَجْعَلَهَا نِصَابًا وَالْحَالُ أَنَّ لِكُلٍّ عِشْرِينَ. قَالَ: وَمَا كَانَ بَيْنَ خَلِيطَيْنِ إلَخْ، قَالُوا أَرَادَ بِهِ إذَا كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ إحْدَى وَسِتُّونَ مِثْلًا مِنْ الْإِبِلِ لِأَحَدِهِمَا سِتٌّ وَثَلَاثُونَ وَلِلْآخَرِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ، فَأَخَذَ الْمُصَدِّقُ مِنْهَا بِنْتَ لَبُونٍ وَبِنْتَ مَخَاضٍ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَرْجِعُ إلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّةِ مَا أَخَذَهُ السَّاعِي مِنْ مِلْكِهِ زَكَاةَ شَرِيكِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِنْهَا كِتَابُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ فِي الدِّيَاتِ وَأَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ بِكِتَابٍ فِيهِ الْفَرَائِضُ وَالسُّنَنُ وَالدِّيَاتُ، وَبَعَثَ بِهِ مَعَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَقُرِئَتْ عَلَى أَهْلِ الْيَمَنِ، وَهَذِهِ نُسْخَتُهَا: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى شُرَحْبِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ قَيْلِ ذِي رُعَيْنٍ وَمَعَافِرَ وَهَمْدَانَ، أَمَّا بَعْدُ: فَقَدْ رَجَعَ رَسُولُكُمْ وَأَعْطَيْتُمْ مِنْ الْمَغَانِمِ خُمُسَ اللَّهِ، وَمَا كَتَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْعُشْرِ فِي الْعَقَارِ وَمَا سَقَتْ السَّمَاءُ، وَمَا كَانَ سَيْحًا أَوْ كَانَ بَعْلًا فِيهِ الْعُشْرُ إذَا بَلَغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، وَمَا سُقِيَ بِالرِّشَاءِ وَالدَّالِيَةِ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ، وَفِي كُلِّ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ سَائِمَةٍ شَاةٌ إلَى أَنْ تَبْلُغَ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً عَلَى أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ، فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ ابْنَةُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٍ»، وَسَاقَهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَفِيهِ: «وَفِي كُلِّ ثَلَاثِينَ بَاقُورَةً تَبِيعٌ أَوْ جَذَعَةٌ، وَفِي كُلُّ أَرْبَعِينَ بَاقُورَةً بَقَرَةٌ». ثُمَّ ذَكَرَ صَدَقَةَ الْغَنَمِ وَفِيهِ:
وَفِي «كُلِّ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَمَا زَادَ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوَاقٍ شَيْءٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارٌ».
وَفِي الْكِتَابِ أَيْضًا: «إنَّ أَكْبَرَ الْكَبَائِرِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الْمُؤْمِنَةِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَالْفِرَارُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَوْمَ الزَّحْفِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَرَمْيُ الْمُحْصَنَةِ، وَتَعَلُّمِ السَّحَرِ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، ثُمَّ ذَكَرَ جُمَلًا فِي الدِّيَاتِ» قَالَ النَّسَائِيّ: وَسُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ مَتْرُوكٌ. وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ بِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، كِلَاهُمَا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ بِهِ. قَالَ الْحَاكِمُ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَهُوَ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ صَحِيحٌ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: يُشِيرُ بِالصِّحَّةِ إلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَا إلَى غَيْرِهَا، وَقَالَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ فِي نُسْخَةِ كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: تَلَقَّتْهَا الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ وَهِيَ مُتَوَارَثَةٌ كَنُسْخَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَهِيَ دَائِرَةٌ عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ وَسُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد وَكِلَاهُمَا ضَعِيفٌ. لَكِنْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الرِّسَالَةِ: لَمْ يَقْبَلُوهُ حَتَّى ثَبَتَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ الْفَسَوِيُّ: لَا أَعْلَمُ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ الْمَنْقولةِ أَصَحَّ مِنْهُ، فَإِنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ يَرْجِعُونَ إلَيْهِ وَيَدَعُونَ آرَاءَهُمْ.اهـ. وَتَضْعِيفُ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد الْخَوْلَانِيِّ مُعَارَضٌ بِأَنَّهُ أَثْنَى جَمَاعَةٌ مِنْ الْحُفَّاظِ عَلَيْهِ مِنْهُمْ أَحْمَدُ وَأَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو زُرْعَةَ وَعُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ وَابْنُ عَدِيٍّ.
قولهُ: (إلَى مِائَتَيْنِ) وَإِذَا صَارَتْ مِائَتَيْنِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَدَّى أَرْبَعَ حِقَاقٍ وَإِنْ شَاءَ خَمْسَةَ بَنَاتِ لَبُونٍ.
قولهُ: (كَمَا تُسْتَأْنَفُ فِي الْخَمْسِينَ الَّتِي بَعْدَ الْمِائَةِ وَالْخَمْسِينَ) يَعْنِي فِي خَمْسِ شَاةٍ مَعَ الْأَرْبَعِ حِقَاقٍ أَوْ الْخَمْسَةِ بَنَاتِ لَبُونٍ، وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ مَعَهَا، وَفِي خَمْسَةَ عَشَرَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ مَعَهَا، وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعٌ مَعَهَا، فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ وَخَمْسًا وَعِشْرِينَ. فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ مَعَهَا، إلَى سِتٍّ وَثَلَاثِينَ فَبِنْتُ لَبُونٍ مَعَهَا إلَى سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ فَفِيهَا خَمْسُ حِقَاقٍ حِينَئِذٍ إلَى مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ، ثُمَّ تُسْتَأْنَفُ كَذَلِكَ، فَفِي مِائَتَيْنِ وَسِتٍّ وَتِسْعِينَ سِتَّةُ حِقَاقٍ إلَى ثَلَاثِمِائَةٍ وَهَكَذَا، وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ الِاسْتِئْنَافِ الْأَوَّلِ.
قولهُ: (لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إلَخْ) تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ أَبِي بَكْرٍ فِي الْبُخَارِيِّ وَأَحْمَدَ مَعَ الشَّافِعِيِّ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ كَمَذْهَبِنَا وَكَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ.
قولهُ: (وَلَنَا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ) رَوَى أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ وَالطَّحَاوِيُّ فِي مُشْكَلِهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ: قُلْت لِقَيْسِ بْنِ سَعْدٍ: خُذْ لِي كِتَابَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، فَأَعْطَانِي كِتَابًا أَخْبَرَ أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَأَخْبَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَهُ لِجَدِّهِ، فَقَرَأْته فَكَانَ فِيهِ ذِكْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْ فَرَائِضِ الْإِبِلِ، فَقَصَّ الْحَدِيثَ إلَى أَنْ بَلَغَ عِشْرِينَ وَمِائَةً، فَإِذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ وَمِائَةً فَإِنَّهَا تُعَادُ إلَى أَوَّلِ فَرِيضَةِ الْإِبِلِ، وَدَفَعَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ بِمُخَالَفَتِهَا الرِّوَايَةَ الْأُخْرَى عَنْهُ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ، وَرِوَايَةُ الصَّحِيحِ مِنْ كِتَابِ الصِّدِّيقِ وَالْأَثَرِ الَّذِي رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ بِمَا يُوَافِقُ مَذْهَبَنَا طُعِنَ فِيهِ بِالِانْقِطَاعِ مِنْ مَكَانَيْنِ وَضَعُفَ بِخُصَيْفٍ، وَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدِهِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ كَمَذْهَبِنَا عُورِضَ بِأَنَّ شَرِيكًا رَوَاهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: إذَا زَادَتْ الْإِبِلُ عَلَى عَشَرَةٍ وَمِائَةٍ فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ ابْنَةُ لَبُونٍ، إلَّا أَنَّ سُفْيَانَ أَحْفَظُ مِنْ شَرِيكٍ. وَلَوْ سَلِمَ لَا يُقَاوَمُ مَا تَقَدَّمَ. قُلْنَا إنْ سَلِمَ فَإِنَّمَا يَتِمُّ لَوْ تَعَارَضَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ مَا تُثْبِتُهُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ مِنْ التَّنْصِيصِ عَلَى عَوْدِ الْفَرِيضَةِ لَا يَتَعَرَّضُ مَا تَقَدَّمَ لِنَفْيِهِ لِيَكُونَ مُعَارِضًا، إنَّمَا فِيهِ: إذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَنَحْنُ نَقول بِهِ لِأَنَّا أَوْجَبْنَا كَذَلِكَ، إذْ الْوَاجِبُ فِي الْأَرْبَعِينَ هُوَ الْوَاجِبُ فِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ، وَالْوَاجِبُ فِي خَمْسِينَ هُوَ الْوَاجِبُ فِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ، وَلَا يَتَعَرَّضُ هَذَا الْحَدِيثُ لِنَفْيِ الْوَاجِبِ عَمَّا دُونَهُ فَنُوجِبُهُ بِمَا رَوَيْنَاهُ، وَتُحْمَلُ الزِّيَادَةُ فِيمَا رَوَاهُ عَلَى الزِّيَادَةِ الْكَثِيرَةِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ؛ أَلَا تَرَى إلَى مَا رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قال: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَتَبَ الصَّدَقَةَ وَلَمْ يُخْرِجْهَا إلَى عُمَّالِهِ حَتَّى تُوُفِّيَ فَأَخْرَجَهَا أَبُو بَكْرٍ مِنْ بَعْدِهِ فَعَمِلَ بِهَا حَتَّى قُبِضَ، ثُمَّ أَخْرَجَهَا عُمَرُ فَعَمِلَ بِهَا، ثُمَّ أَخْرَجَهَا عُثْمَانُ فَعَمِلَ بِهَا، ثُمَّ أَخْرَجَهَا عَلِيٌّ فَعَمِلَ بِهَا»، فَكَانَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: فِي إحْدَى وَتِسْعِينَ حِقَّتَانِ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَإِذَا كَثُرَتْ الْإِبِلُ فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ الْحَدِيثَ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ. قَالَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ: وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ كُلُّهَا تَنُصُّ عَلَى وُجُوبِ الشَّاةِ بَعْدَ الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ ذَكَرَهَا فِي الْغَايَةِ.
قولهُ: (وَالْبُخْتُ وَالْعِرَابُ) جَمْعُ عَرَبِيٍّ لِلْبَهَائِمِ وَلِلْأُنَاسِ عَرَبٌ، فَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا فِي الْجَمْعِ، وَالْعَرَبُ مُسْتَوْطِنُو الْمُدُنِ وَالْقُرَى الْعَرَبِيَّةِ، وَالْأَعْرَابُ أَهْلُ الْبَدْوِ. وَاخْتُلِفَ فِي نِسْبَتِهِمْ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمْ نُسِبُوا إلَى عَرَبَةَ بِفَتْحَتَيْنِ وَهِيَ مِنْ تِهَامَةٍ لِأَنَّ أَبَاهُمْ إسْمَاعِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَشَأَ بِهَا، كَذَا فِي الْمَغْرِبِ. وَهَذِهِ تَتِمَّةٌ فِي زَكَاةِ الْعِجَافِ: لَا شَكَّ أَنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ هُوَ الْوَسَطُ مَعَ مُرَاعَاةِ جَانِبِ الْفُقَرَاءِ وَرَبِّ الْمَالِ، فَإِيجَابُهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْكُلُّ عِجَافًا إجْحَافٌ بِهِ فَوَجَبَ الْإِيجَابُ بِقَدْرِهِ، وَهَذَا تَفْصِيلُهُ، فَإِذَا كَانَ لَهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ فِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ وَسَطٌ أَوْ أَعْلَى مِنْهَا سِنًّا لَكِنَّهَا النُّقْصَانُ حَالُهَا تَعْدِلُهَا فَفِيهَا شَاةٌ وَسَطٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَا يُسَاوِيهَا نَظَرَ إلَى قِيمَةِ بِنْتِ مَخَاضٍ وَسَطٍ وَقِيمَةِ أَفْضَلِهَا، فَمَا كَانَ بَيْنَهُمَا مِنْ التَّفَاوُتِ اُعْتُبِرَ مِثْلُهُ فِي الشَّاةِ الْوَاجِبَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الشَّاةِ الْوَسَطِ، مَثَلًا لَوْ كَانَ قِيمَةُ بِنْتِ الْمَخَاضِ خَمْسِينَ وَقِيمَةُ أَفْضَلِهَا خَمْسٌ وَعِشْرُونَ فَالتَّفَاوُتُ بِالنِّصْفِ فَتَجِبُ شَاةٌ قِيمَتُهَا نِصْفُ قِيمَةِ الشَّاةِ الْوَسَطِ. وَعَلَى هَذَا فَقِسْ، فَلَوْ كَانَتْ الْإِبِلُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ حِقَاقٍ أَوْ جِذَاعٍ أَوْ بَنَاتِ مَخَاضٍ أَوْ بَوَازِلَ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ وَسَطٍ أَوْ مَا يُسَاوِيهَا فِي الْقِيمَةِ وَجَبَتْ بِنْتُ مَخَاضٍ وَسَطٍ، وَإِنْ شَاءَ دَفَعَ الَّتِي تُسَاوِيهَا، وَإِنْ كَانَ حِقَّةً أَوْ أَعْلَى مِنْهَا بِطَرِيقِ الْقِيمَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَا يُسَاوِيهَا وَلَا هِيَ فَالْوَاجِبُ بِنْتُ مَخَاضٍ تُسَاوِي أَفْضَلَهَا، وَلَوْ كَانَتْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ بَنَاتِ مَخَاضٍ أَوْ حِقَاقٍ أَوْ جِذَاعٍ أَوْ بَوَازِلَ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا ثِنْتَانِ تَعْدِلَانِ بِنْتَيْ مَخَاضٍ وَسَطٍ وَجَبَ فِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ وَسَطٍ لَمْ يَكْتَفِ هُنَا بِوُجُودِ وَاحِدَةٍ تَعْدِلُ بِنْتَ مَخَاضٍ وَسَطٍ لِإِيجَابِ بِنْتِ لَبُونٍ وَسَطٍ لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُنَا لَيْسَ بِنْتَ مَخَاضٍ بَلْ بِنْتُ لَبُونٍ، وَرُبَّمَا كَانَ التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا يَأْتِي عَلَى أَكْثَرِ نِصَابِ الْعِجَافِ فَوَجَبَ ضَمُّ أُخْرَى تَعْدِلُ بِنْتَ مَخَاضٍ وَسَطٍ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَا يَعْدِلُ بِنْتَ مَخَاضٍ وَجَبَ بِنْتُ لَبُونٍ بِقَدْرِهَا، وَطَرِيقُهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى قِيمَةِ بِنْتِ مَخَاضٍ وَسَطٍ وَإِلَى قِيمَةِ بِنْتِ لَبُونٍ وَسَطٍ، فَمَا تَفَاوَتَ بِهِ اُعْتُبِرَ زِيَادَةً عَلَى بِنْتِ لَبُونٍ تُسَاوِي أَفْضَلَهَا مِمَّا يَلِيهَا فِي الْفَضْلِ مِنْهَا، مَثَلًا كَانَتْ قِيمَةُ بِنْتِ الْمَخَاضِ خَمْسِينَ وَقِيمَةُ بِنْتِ اللَّبُونِ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ فَالْوَاجِبُ بِنْتُ لَبُونٍ تُسَاوِي أَفْضَلَهَا وَنِصْفُ قِيمَةِ الَّتِي تَلِيهَا فِي الْفَضْلِ، حَتَّى لَوْ كَانَ أَفْضَلُهَا يُسَاوِي عِشْرِينَ وَتَلِيهِ أُخْرَى تُسَاوِي عَشَرَةً وَجَبَ بِنْتُ لَبُونٍ تُسَاوِي عِشْرِينَ وَخَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَلَوْ كَانَتْ خَمْسِينَ لَيْسَ فِيهَا مَا يُسَاوِي بِنْتَ مَخَاضٍ وَسَطٍ نَظَرَ إلَى قِيمَةِ بِنْتِ مَخَاضٍ وَسَطٍ وَقِيمَةِ حِقَّةِ وَسَطٍ، فَمَا وَقَعَ بِهِ التَّفَاوُتُ اُعْتُبِرَ فِي الَّتِي تَلِي أَفْضَلَهَا، فَيَجِبُ ذَلِكَ مَعَ أَفْضَلِهَا أَيْضًا كَمَا ذُكِرَ فِي بِنْتِ اللَّبُونِ مَعَ بِنْتِ الْمَخَاضِ، حَتَّى لَوْ كَانَ قِيمَةُ بِنْتِ الْمَخَاضِ خَمْسِينَ وَالْحِقَّةُ ثَمَانِينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ تُسَاوِي أَفْضَلَهَا وَثَلَاثَةَ أَخْمَاسِ الَّتِي تَلِيهَا فِي الْفَضْلِ. وَلَوْ كَانَتْ الْحِقَّةُ بِتِسْعِينَ وَبِنْتُ الْمَخَاضِ خَمْسِينَ وَفِي الْإِبِلِ بِنْتُ مَخَاضٍ تُسَاوِي خَمْسِينَ وَأُخْرَى تُسَاوِي ثَلَاثِينَ فَالْوَاجِبُ حِقَّةٌ تُسَاوِي أَرْبَعَةً وَسَبْعِينَ لِيَكُونَ مِثْلَ أَفْضَلِهَا وَأَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الَّتِي تَلِيهَا، وَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ بِنْتِ الْمَخَاضِ خَمْسِينَ وَالْحِقَّةُ مِائَةٌ وَفِي الْإِبِلِ ثَلَاثٌ تُسَاوِي كُلٌّ ثَلَاثِينَ ثَلَاثِينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ تُسَاوِي سِتِّينَ مِثْلِ ثِنْتَيْنِ مِنْ أَفْضَلِهَا لِأَنَّ التَّفَاوُتَ الَّذِي بَيْنَ الْحِقَّةِ وَبِنْتِ الْمَخَاضِ الضِّعْفُ. وَإِنَّمَا جَعَلْنَا بِنْتَ الْمَخَاضِ حُكْمًا فِي الْبَابِ فِي كُلِّ الصُّوَرِ لِأَنَّهَا أَدْنَى سِنٍّ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْوُجُوبُ، وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهَا عَفْوٌ، وَلَمْ يَكْتَفِ بِوُجُودِ وَاحِدَةٍ مِنْهَا تُسَاوِي بِنْتَ مَخَاضٍ وَسَطٍ لِإِيجَابِ مَا زَادَ عَلَى بِنْتِ الْمَخَاضِ لِمَا ذَكَرْنَا.

.(فَصْلٌ فِي الْبَقَرِ):

(لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ السَّائِمَةِ صَدَقَةٌ، فَإِذَا كَانَتْ ثَلَاثِينَ سَائِمَةً وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا تَبِيعٌ أَوْ تَبِيعَةٌ) وَهِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي الثَّانِيَةِ (وَفِي أَرْبَعِينَ مُسِنٌّ أَوْ مُسِنَّةٌ) وَهِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي الثَّالِثَةِ، بِهَذَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (فَإِذَا زَادَتْ عَلَى أَرْبَعِينَ وَجَبَ فِي الزِّيَادَةِ بِقَدْرِ ذَلِكَ إلَى سِتِّينَ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ فَفِي الْوَاحِدَةِ الزَّائِدَةِ رُبْعُ عُشْرِ مُسِنَّةٍ، وَفِي الِاثْنَتَيْنِ نِصْفُ عُشْرِ مُسِنَّةٍ، وَفِي الثَّلَاثَةِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ عُشْرِ مُسِنَّةٍ. وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْأَصْلِ لِأَنَّ الْعَفْوَ ثَبَتَ نَصًّا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ وَلَا نَصَّ هُنَا. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الزِّيَادَةِ شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسِينَ، ثُمَّ فِيهَا مُسِنَّةٌ وَرُبْعُ مُسِنَّةٍ أَوْ ثُلُثُ تَبِيعٍ، لِأَنَّ مَبْنَى هَذَا النِّصَابِ عَلَى أَنْ يَكُونَ بَيْنَ كُلِّ عَقْدَيْنِ وَقْصٌ، وَفِي كُلِّ عَقْدٍ وَاجِبٌ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا شَيْءَ فِي الزِّيَادَةِ حَتَّى تَبْلُغَ سِتِّينَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِقولهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِمُعَاذٍ «لَا تَأْخُذْ مِنْ أَوْقَاصِ الْبَقَرِ شَيْئًا» وَفَسَّرُوهُ بِمَا بَيْنَ أَرْبَعِينَ إلَى سِتِّينَ. قُلْنَا: قَدْ قِيلَ إنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا الصِّغَارُ (ثُمَّ فِي السِّتِّينَ تَبِيعَانِ أَوْ تَبِيعَتَانِ، وَفِي سَبْعِينَ مُسِنَّةٌ وَتَبِيعٌ، وَفِي ثَمَانِينَ مُسِنَّتَانِ، وَفِي تِسْعِينَ ثَلَاثَةُ أَتْبِعَةٍ، وَفِي الْمِائَةِ تَبِيعَانِ وَمُسِنَّةٌ. وَعَلَى هَذَا يَتَغَيَّرُ الْفَرْضُ فِي كُلِّ عَشْرٍ مِنْ تَبِيعٍ إلَى مُسِنَّةٍ وَمِنْ مُسِنَّةٍ إلَى تَبِيعٍ) لِقولهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسلام: «فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ تَبِيعٌ أَوْ تَبِيعَةٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنٌّ أَوْ مُسِنَّةٌ» (وَالْجَوَامِيسُ وَالْبَقَرُ سَوَاءٌ) لِأَنَّ اسْمَ الْبَقَرِ يَتَنَاوَلُهُمَا إذْ هُوَ نَوْعٌ مِنْهُ، إلَّا أَنَّ أَوْهَامَ النَّاسِ لَا تَسْبِقُ إلَيْهِ فِي دِيَارِنَا لِقِلَّتِهِ، فَلِذَلِكَ لَا يَحْنَثُ بِهِ فِي يَمِينِهِ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ بَقَرٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشَّرْحُ:
(فَصْلٌ فِي الْبَقَرِ) قَدَّمَهَا عَلَى الْغَنَمِ لِقُرْبِهَا مِنْ الْإِبِلِ فِي الضَّخَامَةِ، وَالْبَقَرُ مِنْ بَقَرَ إذَا شَقَّ، سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ يَشُقُّ الْأَرْضَ وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ، وَالتَّاءُ فِي بَقَرَةٍ لِلْوَحْدَةِ فَيَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى لَا لِلتَّأْنِيثِ.
قولهُ: (فَفِيهَا تَبِيعٌ) سُمِّيَ الْحَوْلِيُّ مِنْ أَوْلَادِ الْبَقَرِ بِهِ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ أُمَّهُ بَعْدُ، وَالْمُسِنُّ مِنْ الْبَقَرِ وَالشَّاةِ مَا تَمَّتْ لَهُ سَنَتَانِ، وَفِي الْإِبِلِ مَا دَخَلَ فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ. ثُمَّ لَا تَتَعَيَّنُ الْأُنُوثَةُ فِي هَذَا الْبَابِ وَلَا فِي الْغَنَمِ، بِخِلَافِ الْإِبِلِ لِأَنَّهَا لَا تُعَدُّ فَضْلًا فِيهِمَا بِخِلَافِ الْإِبِلِ. ثُمَّ إنْ وُجِدَ فِي الثَّلَاثِينَ تَبِيعٌ وَسَطٌ وَجَبَ هُوَ، أَوْ مَا يُسَاوِيهِ وَجَبَ تَبِيعٌ يُسَاوِي الْوَسَطَ، وَإِنْ شَاءَ دَفَعَهُ بِطَرِيقِ الْقِيمَةِ عَنْ تَبِيعٍ؛ وَإِنْ كَانَ الْكُلُّ عِجَافًا لَيْسَ فِيهَا مَا يُسَاوِي تَبِيعًا وَسَطًا وَجَبَ أَفْضَلُهَا، وَلَوْ كَانَتْ الْبَقَرُ أَرْبَعِينَ وَفِيهَا مُسِنَّةٌ وَسَطٌ أَوْ مَا يُسَاوِيهَا فَعَلَى مَا عُرِفَ فِي الثَّلَاثِينَ، وَإِنْ كَانَ الْكُلُّ عِجَافًا وَجَبَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى قِيمَةِ تَبِيعٍ وَسَطٍ لِأَنَّهُ الْمُعْتَبَرُ فِي نِصَابِ الْبَقَرِ وَمَا فَضَلَ عَنْهُ عَفْوٌ وَإِلَى قِيمَةِ مُسِنَّةٍ وَسَطٍ، فَمَا وَقَعَ بِهِ التَّفَاوُتُ وَجَبَ نِسْبَتُهُ فِي أُخْرَى تَلِي أَفْضَلَهَا فِي الْفَضْلِ؛ مَثَلًا لَوْ كَانَتْ قِيمَةُ التَّبِيعِ الْوَسَطِ أَرْبَعِينَ وَقِيمَةُ الْمُسِنَّةِ الْوَسَطِ خَمْسِينَ تَجِبُ مُسِنَّةٌ تُسَاوِي أَفْضَلَهَا وَرُبْعَ الَّتِي تَلِيهَا فِي الْفَضْلِ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ قِيمَةُ أَفْضَلِهَا ثَلَاثِينَ وَاَلَّتِي تَلِيهَا عِشْرِينَ تَجِبُ مُسِنَّةٌ تُسَاوِي خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ، وَلَوْ كَانَتْ سِتِّينَ عِجَافًا لَيْسَ فِيهَا مَا يُسَاوِي تَبِيعَانِ وَسَطًا فَفِيهَا تَبِيعَانِ مِنْ أَفْضَلِهَا إنْ كَانَا، وَإِلَّا فَاثْنَانِ مِنْ أَفْضَلِهَا، وَإِنْ كَانَ فِيهَا تَبِيعٌ وَسَطٌ أَوْ مَا يُسَاوِيهِ وَجَبَ التَّبِيعُ الْوَسَطُ وَآخَرُ مِنْ أَفْضَلِ الْبَاقِي.
قولهُ: (بِهَذَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذًا) أَخْرَجَ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَل: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا وَجَّهَهُ إلَى الْيَمَنِ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً، وَمِنْ كُلِّ حَالِمٍ يَعْنِي مُحْتَلِمًا دِينَارًا أَوْ عِدْلَهُ مِنْ الْمَعَافِرِ ثِيَابٌ تَكُونُ بِالْيَمَنِ» حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ مُرْسَلًا وَهَذَا أَصَحُّ. وَيَعْنِي بِالدِّينَارِ مِنْ الْحَالِمِ الْجِزْيَةَ. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَأَعَلَّهُ عَبْدُ الْحَقِّ بِأَنَّ مَسْرُوقًا لَمْ يَلْقَ مُعَاذًا، وَصَرَّحَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ، وَأَمَّا ابْنُ حَزْمٍ فَإِنَّهُ قَالَ فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ إنَّهُ مُنْقَطِعٌ وَإِنَّ مَسْرُوقًا لَمْ يَلْقَ مُعَاذًا، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: وَجَدْنَا حَدِيثَ مَسْرُوقٍ إنَّمَا ذَكَرَ فِيهِ فِعْلَ مُعَاذٍ بِالْيَمَنِ فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ، وَمَسْرُوقٌ عِنْدَنَا بِلَا شَكٍّ أَدْرَكَ مُعَاذًا بِسِنِّهِ وَعَقْلِهِ وَشَاهَدَ أَحْكَامَهُ يَقِينًا وَأَفْتَى فِي زَمَنِ عُمَرَ وَأَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ رَجُلٌ كَانَ بِالْيَمَنِ أَيَّامَ مُعَاذٍ بِنَقْلِ الْكَافَّةِ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ عَنْ مُعَاذٍ فِي أَخْذِهِ لِذَلِكَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَجْعَلُهُ بِوَاسِطَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُعَاذٍ، وَهُوَ مَا فَشَا مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ أَنَّ مُعَاذًا أَخَذَ كَذَا وَكَذَا. وَالْحَقُّ قول ابْنِ الْقَطَّانِ إنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَحْكُمَ بِحَدِيثِهِ عَنْ مُعَاذٍ عَلَى قول الْجُمْهُورِ فِي الِاكْتِفَاءِ بِالْمُعَاصَرَةِ مَا لَمْ يُعْلَمْ عَدَمُ اللُّقِيِّ. وَأَمَّا عَلَى مَا شَرَطَهُ الْبُخَارِيُّ وَابْنُ الْمَدِينِيِّ مِنْ الْعِلْمِ بِاجْتِمَاعِهِمَا وَلَوْ مَرَّةً فَكَمَا قَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَالْحَقُّ خِلَافُهُ، وَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ يَتِمُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ عَلَى مَا وَجَّهَهُ ابْنُ حَزْمٍ.
قولهُ: (وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْأَصْلِ) عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ: هَذِهِ، وَرِوَايَةُ الْحَسَنِ أَنْ لَا شَيْءَ حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسِينَ، وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ كَقولهِمَا. وَجْهُ الْأُولَى عَدَمُ الْمُسْقِطِ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا يُخَلَّى الْمَالُ عَنْ شُكْرِ نِعْمَتِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ النِّصَابَ. وَجْهُ هَذِهِ مَنْعُهُ بَلْ قَدْ وُجِدَ وَهُوَ مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ بَقِيَّةَ عَنْ الْمَسْعُودِيِّ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً، قَالُوا فَالْأَوْقَاصُ؟ قَالَ: مَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا بِشَيْءٍ. وَسَأَسْأَلُهُ إذَا قَدِمْتُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُ فَقَالَ: لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ» قَالَ الْمَسْعُودِيُّ: وَالْأَوْقَاصُ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِينَ إلَى أَرْبَعِينَ وَالْأَرْبَعِينَ إلَى سِتِّينَ.
وَفِي السَّنَدِ ضَعْفٌ.
وَفِي الْمِنَنِ أَنَّهُ رَجَعَ فَوَجَدَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حَيًّا، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ، وَفِي سَنَدِهِ مَجْهُولٌ. وَفِيهِ أَعْنِي مُعْجَمَ الطَّبَرَانِيِّ حَدِيثٌ آخَرُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ أُسَامَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحَكَمِ أَنَّ مُعَاذًا قال: «بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُصَدِّقُ أَهْلَ الْيَمَنِ، فَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ الْبَقَرِ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعًا، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً، وَمِنْ السِّتِّينَ تَبِيعَيْنِ، وَمِنْ السَّبْعِينَ مُسِنَّةً وَتَبِيعًا، وَأَمَرَنِي أَنْ لَا آخُذَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ شَيْئًا إلَّا أَنْ يَبْلُغَ مُسِنَّةً أَوْ جَذَعًا» وَهُوَ مُرْسَلٌ، وَسَلَمَةُ بْنُ أُسَامَةَ وَيَحْيَى بْنُ الْحَكَمِ غَيْرُ مَشْهُورَيْنِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُمَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِهِ. وَاعْتَرَضَ أَيْضًا بِأَنَّ مُعَاذًا لَمْ يُدْرِكْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حَيًّا. فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ طَاوُسٍ أَنَّ مُعَاذًا الْحَدِيثَ وَفِيه: «فَتُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ مُعَاذٌ» وَطَاوُسٌ لَمْ يُدْرِكْ مُعَاذًا. وَأَخْرَجَ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قال: «كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ شَابًّا جَمِيلًا حَلِيمًا سَمْحًا مِنْ أَفْضَلِ شَبَابِ قَوْمِهِ وَلَمْ يَكُنْ يُمْسِكُ شَيْئًا، وَلَمْ يَزَلْ يَدَّانُ حَتَّى أَغْرَقَ مَالَهُ كُلَّهُ فِي الدَّيْنِ، فَلَزِمَهُ غُرَمَاؤُهُ حَتَّى تَغَيَّبَ عَنْهُمْ أَيَّامًا فِي بَيْتِهِ، فَاسْتَأْذَنُوا عَلَيْهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْسَلَ فِي طَلَبِهِ، فَجَاءَ مَعَهُ غُرَمَاؤُهُ» فَسَاقَ الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قال: «فَبَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ وَقَالَ لَهُ: لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَجْبُرَك وَيُؤَدِّيَ عَنْك دَيْنَك، فَخَرَجَ مُعَاذٌ إلَى الْيَمَنِ فَلَمْ يَزَلْ بِهَا حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَجَعَ مُعَاذٌ» الْحَدِيثَ بِطُولِهِ. قَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ.
وَفِي مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى «أَنَّهُ قَدِمَ فَسَجَدَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مُعَاذُ مَا هَذَا؟ قَالَ: وَجَدْتُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى بِالْيَمَنِ يَسْجُدُونَ لِعُظَمَائِهِمْ وَقَالُوا هَذَا تَحِيَّةُ الْأَنْبِيَاءِ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: كَذَبُوا عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، لَوْ كُنْتُ آمُرُ أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِغَيْرِ اللَّهِ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا».
وَفِي هَذَا أَنَّ مُعَاذًا أَدْرَكَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حَيًّا.
قولهُ: (قَدْ قِيلَ إنَّ الْمُرَادَ بِهَا الصِّغَارُ) فَتَعَارَضَ التَّفْسِيرَانِ، فَلَا تَسْقُطُ الزَّكَاةُ بِالشَّكِّ بَعْدَ تَحَقُّقِ السَّبَبِ، ثُمَّ إنْ كَانَ خِلَافَ الْقِيَاسِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إيجَابُ الْكُسُورِ فَقولهُمَا مُخَالِفُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: إثْبَاتُ الْعَفْوِ بِالرَّأْيِ، وَكَوْنُهُ خَارِجًا عَنْ النَّظِيرِ فِي بَابِهِ، فَإِنَّ الثَّابِتَ فِي هَذَا الْبَابِ جَعْلُ الْعَفْوِ تِسْعًا تِسْعًا، وَالْكُسُورُ فِي الْجُمْلَةِ لَهَا وُجُودٌ فِي النَّقْدَيْنِ، لَكِنَّ دَفْعَ الْمُصَنِّفِ هَذَا يَنْتَفِي بِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ قوله: «وَأَمَرَنِي أَنْ لَا آخُذَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ شَيْئًا إلَّا أَنْ تَبْلُغَ مُسِنَّةً أَوْ جَذَعًا» وَهَكَذَا رَوَاهُ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ، لَكِنَّ تَمَامَ هَذَا مَوْقُوفٌ عَلَى صِحَّةِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَوْ حُسْنِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.(فَصْلٌ فِي الْغَنَمِ):

(لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ مِنْ الْغَنَمِ السَّائِمَةِ صَدَقَةٌ، فَإِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ سَائِمَةً وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا شَاةٌ إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا شَاتَانِ إلَى مِائَتَيْنِ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعَمِائَةٍ فَفِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ، ثُمَّ فِي كُلِّ مِائَةِ شَاةٍ شَاةٌ) هَكَذَا وَرَدَ الْبَيَانُ فِي كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي كِتَابِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَعَلَيْهِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ (وَالضَّأْنُ وَالْمَعْزُ سَوَاءٌ) لِأَنَّ لَفْظَ الْغَنَمِ شَامِلَةٌ لِلْكُلِّ وَالنَّصُّ وَرَدَ بِهِ. وَيُؤْخَذُ الثَّنِيُّ فِي زَكَاتِهَا وَلَا يُؤْخَذُ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ إلَّا فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَالثَّنِيُّ مِنْهَا مِنْهَا مَا تَمَّتْ لَهُ سَنَةٌ، وَالْجَذَعُ مَا أَتَى عَلَيْهِ أَكْثَرُهَا. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قولهُمَا أَنَّهُ يُؤْخَذُ عَنْ الْجَذَعِ لِقولهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسلام: «إنَّمَا حَقُّنَا الْجَذَعُ وَالثَّنِيُّ» وَلِأَنَّهُ يَتَأَدَّى بِهِ الْأُضْحِيَّةَ فَكَذَا الزَّكَاةُ. وَجْهُ الظَّاهِرِ حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَوْقُوفًا وَمرفوعا: «لَا يُؤْخَذُ فِي الزَّكَاةِ إلَّا الثَّنِيُّ فَصَاعِدًا» وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْوَسَطُ وَهَذَا مِنْ الصِّغَارِ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ فِيهَا الْجَذَعُ مِنْ الْمَعْزِ، وَجَوَازُ التَّضْحِيَّةِ بِهِ عُرِفَ نَصًّا. وَالْمُرَادُ بِمَا رُوِيَ الْجَذَعَةُ مِنْ الْإِبِلِ (وَيُؤْخَذُ فِي زَكَاةِ الْغَنَمِ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ) لِأَنَّ اسْمَ الشَّاةِ يَنْتَظِمُهُمَا، وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسلام: «فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ».
الشَّرْحُ:
(بَابُ صَدَقَةِ الْغَنَمِ) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا آلَةٌ الدِّفَاعِ فَكَانَتْ غَنِيمَةً لِكُلِّ طَالِبٍ.
قولهُ: (هَكَذَا وَرَدَ الْبَيَانُ فِي كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَفِي كِتَابِ أَبِي بَكْرٍ تَقَدَّمَ فِي صَدَقَةِ الْإِبِلِ فَارْجِعْ إلَيْهِ.
قولهُ: (وَالضَّأْنُ وَالْمَعْزُ سَوَاءٌ) أَيْ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ لَا فِي أَدَاءِ الْوَاجِبِ، وَسَنَذْكُرُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ آخِرَ الْبَابِ، وَالْمُتَوَلِّدُ مِنْ ظَبْيٍ وَنَعْجَةٍ لَهُ حُكْمُ أُمِّهِ فَيَكُونُ شَاةً.
وَفِي الْعِجَافِ إنْ كَانَتْ ثَنِيَّةَ وَسَطٍ تَعَيَّنَتْ وَإِلَّا وَاحِدَةً مِنْ أَفْضَلِهَا، فَإِنْ كَانَتْ نِصَابَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً كَمِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ أَوْ مِائَتَيْنِ وَوَاحِدَةٍ وَفِيهَا عَدَدُ الْوَاجِبِ وَسَطٌ تَعَيَّنَتْ هِيَ أَوْ قِيمَتُهَا، وَإِنْ بَعْضُهُ تَعَيَّنَ هُوَ وَكَمَّلَ مِنْ أَفْضَلِهَا بَقِيَّةَ الْوَاجِبِ فَتَجِبُ الْوَاحِدَةُ الْوَسَطُ وَوَاحِدَةٌ أَوْ ثِنْتَانِ عَجْفَاوَانِ بِحَسَبِ مَا يَكُونُ الْوَاجِبُ وَالْمَوْجُودُ مَثَلًا لَهُ مِائَةٌ وَإِحْدَى وَعِشْرُونَ وَعِنْدَهُ ثَنِيَّةٌ وَسَطٌ وَجَبَتْ هِيَ وَأُخْرَى عَجْفَاءُ، أَوْ مِائَتَانِ وَوَاحِدَةٌ وَعِنْدَهُ ثِنْتَانِ سَمِينَتَانِ تَعَيَّنَتَا مَعَ عَجْفَاءَ، أَوْ وَاحِدَةٌ تَعَيَّنَتْ مَعَ عَجْفَاوَيْنِ مِنْ أَفْضَلِ الْبَوَاقِي، وَلَوْ هَلَكَتْ السَّمِينَةُ بَعْدَ الْوُجُوبِ جُعِلَتْ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَوَجَبَتْ عَجْفَاوَانِ بِنَاءً عَلَى صَرْفِ الْهَالِكِ إلَى النِّصَابِ الْأَخِيرِ وَجَعْلِ الْهَالِكِ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ. وَعِنْدَهُمَا بِهَلَاكِ السَّمِينَةِ ذَهَبَ فَضْلُ السِّمَنِ فَكَأَنَّ الْكُلَّ كَانَتْ عِجَافًا وَوَجَبَ فِيهَا ثَلَاثُ عِجَافٍ فَتَسْقُطُ ثَلَاثَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ ثَلَاثِ شِيَاهٍ كُلُّ شَاةٍ مِائَتَا جُزْءٍ وَجُزْءٍ، وَيَبْقَى الْبَاقِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ وَاجِبٌ فِي الْكُلِّ مِنْ النِّصَابِ وَالْعَفْوِ وَصَرْفِ الْهَلَاكِ إلَى الْكُلِّ عَلَى الشُّيُوعِ، وَلَوْ هَلَكَ الْعِجَافُ كُلُّهَا وَبَقِيَتْ السَّمِينَةُ فَعِنْدَهُ لَمَّا وَجَبَ الصَّرْفُ إلَى النِّصَابِ الزَّائِدِ عَلَى الْأَوَّلِ صَارَ كَأَنَّهُ حَالَ الْحَوْلُ عَلَى أَرْبَعِينَ ثُمَّ هَلَكَ الْكُلُّ إلَّا السَّمِينَةَ فَيَبْقَى الْوَاجِبُ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ شَاةٍ وَسَطٍ وَسَقَطَ الْبَاقِي. وَعِنْدَهُمَا تَبْقَى حِصَّتُهَا مِنْ كُلِّ الْوَاجِبِ وَكُلُّ الْوَاجِبِ سَمِينَةٌ وَعَجْفَاوَانِ كُلُّ شَاةٍ مِائَتَا جُزْءٍ وَجُزْءٍ، وَحِصَّتُهَا جُزْءٌ مِنْ السَّمِينَةِ وَجُزْءَانِ مِنْ الْعَجْفَاوَيْنِ.
قولهُ: (وَالنَّصُّ وَرَدَ بِهِ) أَيْ بِاسْمِ الْغَنَمِ فِي كِتَابِ أَبِي بَكْرٍ عَلَى مَا مَرَّ.
قولهُ: (لِقولهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسلام: «إنَّمَا حَقُّنَا الْجَذَعُ») غَرِيبٌ بِلَفْظِهِ، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ مِسْعَرٍ قال: «جَاءَنِي رَجُلَانِ مُرْتَدِفَانِ فَقَالَا: إنَّا رَسُولَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَنَا إلَيْكَ لِتُؤْتِيَنَا صَدَقَةَ غَنَمِكَ، قُلْتُ: وَمَا هِيَ؟ قَالَا شَاةٌ، قَالَ: فَعَمَدْتُ إلَى شَاةٍ مُمْتَلِئَةٍ مَخَاضًا وَشَحْمًا فَقَالَا: هَذِهِ شَافِعٌ وَقَدْ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَأْخُذَ شَافِعًا، وَالشَّافِعُ الَّتِي فِي بَطْنِهَا وَلَدُهَا، قُلْت: فَأَيَّ شَيْءٍ تَأْخُذَانِ؟ قَالَا: عَنَاقًا جَذَعَةً أَوْ ثَنِيَّةً، فَأَخْرَجْتُ إلَيْهِمَا عَنَاقًا فَتَنَاوَلَاهَا» وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بَعَثَهُ مُصَدِّقًا فَكَانَ يَعُدُّ السَّخْلَ، فَقَالُوا: أَتَعُدُّ عَلَيْنَا السَّخْلَ وَلَا تَأْخُذُهُ؟ فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى عُمَرَ ذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ عُمَرُ: نَعَمْ نَعُدُّ عَلَيْهِمْ السَّخْلَةَ يَحْمِلُهَا الرَّاعِي وَلَا نَأْخُذُهَا، وَلَا نَأْخُذُ الْأَكُولَةَ وَلَا الرَّبِيَّ وَلَا الْمَاخِضَ وَلَا فَحْلَ الْغَنَمِ، وَنَأْخُذُ الْجَذَعَةَ وَالثَّنِيَّةَ، وَذَلِكَ عَدْلٌ بَيْنَ غِذَاءِ الْغَنَمِ وَخِيَارِهِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: سَنَدُهُ صَحِيحٌ. وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ: لَا يُؤْخَذُ فِي الزَّكَاةِ إلَّا الثَّنِيُّ فَغَرِيبٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَالدَّلِيلُ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ صَرِيحٌ فِي رَدِّ التَّأْوِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إنْ كَانَ قول الصَّحَابِيَّيْنِ نَأْخُذُ عَنَاقًا جَذَعَةً أَوْ ثَنِيَّةً لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَكَذَلِكَ قول عُمَرَ فِي ذَلِكَ فَيَجِبُ تَرْجِيحُ غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَعْنِي مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ جَوَازِ أَخْذِ الْجَذَعَةِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ فِي تَعْيِينِ الثَّنِيِّ.

.(فَصْلٌ فِي الْخَيْلِ):

(إذْا كَانَتْ الْخَيْلُ سَائِمَةً ذُكُورًا وَإِنَاثًا فَصَاحِبُهَا بِالْخِيَارِ: إنْ شَاءَ أَعْطَى عَنْ كُلِّ فَرَسٍ دِينَارًا، وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَهَا وَأَعْطَى عَنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ قول زُفَرَ، وَقَالَا: لَا زَكَاةَ فِي الْخَيْلِ لِقولهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسلام: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فِي فَرَسِهِ صَدَقَةٌ» وَلَهُ قولهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسلام: «فِي كُلِّ فَرَسٍ سَائِمَةٍ دِينَارٌ أَوْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ» وَتَأْوِيلُ مَا رَوَيَاهُ فَرَسُ الْغَازِي، وَهُوَ الْمَنْقول عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ. وَالتَّخْيِيرُ بَيْنَ الدِّينَارِ وَالتَّقْوِيمِ مَأْثُورٌ عَنْ عُمَرَ (وَلَيْسَ فِي ذُكُورِهَا مُنْفَرِدَةً زَكَاةٌ) لِأَنَّهَا لَا تَتَنَاسَلُ (وَكَذَا فِي الْإِنَاثِ الْمُنْفَرِدَاتِ فِي رِوَايَةٍ) وَعَنْهُ الْوُجُوبُ فِيهَا لِأَنَّهَا تَتَنَاسَلُ بِالْفَحْلِ الْمُسْتَعَارِ بِخِلَافِ الذُّكُورِ، وَعَنْهُ أَنَّهَا تَجِبُ فِي الذُّكُورِ الْمُنْفَرِدَةِ أَيْضًا (وَلَا شَيْءَ فِي الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ) لِقولهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسلام: «لَمْ يَنْزِلْ عَلِيَّ فِيهِمَا شَيْءٌ» وَالْمَقَادِيرُ تَثْبُتُ سَمَاعًا (إلَّا أَنْ تَكُونَ لِلتِّجَارَةِ) لِأَنَّ الزَّكَاةَ حِينَئِذٍ تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِيَّةِ كَسَائِرِ أَمْوَالِ التِّجَارَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشَّرْحُ:
(فَصْلٌ فِي الْخَيْلِ) فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ قَالُوا: الْفَتْوَى عَلَى قولهِمَا، وَكَذَا رَجَّحَ قولهُمَا فِي الْأَسْرَارِ، وَأَمَّا شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَصَاحِبُ التُّحْفَةِ فَرَجَّحَا قول أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَأْخُذُ صَدَقَةَ الْخَيْلِ جَبْرًا، وَحَدِيثُ «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ» رَوَوْهُ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَزَادَ مُسلم: «إلَّا صَدَقَةَ الْفِطْرِ».
قولهُ: (وَتَأْوِيلُ مَا رَوَيَاهُ فَرَسُ الْغَازِي) لَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الْإِضَافَةَ لِلْفَرَسِ الْمُفْرَدِ لِصَاحِبِهَا فِي قولنَا فَرَسُهُ وَفَرَسُ زَيْدٍ كَذَا، وَكَذَا يَتَبَادَرُ مِنْهُ الْفَرَسُ الْمُلَابِسُ لِلْإِنْسَانِ رُكُوبًا ذَهَابًا وَمَجِيئًا عُرْفًا، وَإِنْ كَانَ لُغَةً أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، وَالْعُرْفُ أَمْلَكُ، وَيُؤَيِّدُ هَذِهِ الْإِرَادَةَ قولهُ فِي عَبْدِهِ: وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعَبْدَ لِلتِّجَارَةِ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ النَّفْيَ عَنْ عُمُومِ الْعَبْدِ بَلْ عَبْدِ الْخِدْمَةِ. وَقَدْ رُوِيَ مَا يُوجِبُ حَمْلَهُ عَلَى هَذَا الْمَحْمَلِ لَوْ لَمْ تَكُنْ هَاتَانِ الْقَرِينَتَانِ الْعُرْفِيَّةُ وَاللَّفْظِيَّةُ، وَهُوَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي حَدِيثِ مَانِعِي الزَّكَاةِ بِطُولِهِ، وَفِيه: «الْخَيْلُ ثَلَاثَةٌ: هِيَ لِرَجُلٍ أَجْرٌ، وَلِرَجُلِ سِتْرٌ، وَلِرَجُلٍ وِزْرٌ». وَسَاقَ الْحَدِيثَ إلَى قوله: «فَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ سِتْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا تَغَنِّيًا وَتَعَفُّفًا وَلَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي رِقَابِهَا وَلَا ظُهُورِهَا فَهِيَ لِذَلِكَ الرَّجُلِ سِتْرٌ» الْحَدِيثَ، فَقولهُ وَلَا فِي رِقَابِهَا بَعْدَ قولهِ وَلَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي ظُهُورِهَا يَرُدُّ تَأْوِيلَ ذَلِكَ بِالْعَارِيَّةِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُمْكِنُ عَلَى بُعْدِهِ فِي ظُهُورِهَا، فَعَطْفُ رِقَابِهَا يَنْفِي إرَادَةَ ذَلِكَ، إذْ الْحَقُّ الثَّابِتُ فِي رِقَابِ الْمَاشِيَةِ لَيْسَ إلَّا الزَّكَاةَ وَهُوَ فِي ظُهُورِهَا حَمْلُ مُنْقَطِعِي الْغُزَاةِ وَالْحَاجِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ. هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ الَّذِي يَجِبُ الْبَقَاءُ مَعَهُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَأْوِيلَنَا فِي الْفَرَسِ أَقْرَبُ مِنْ هَذَا بِكَثِيرٍ لِمَا حَفَّهُ مِنْ الْقَرِينَتَيْنِ وَلِأَنَّهُ تَخْصِيصُ الْعَامِّ، وَمَا مِنْ عَامٍّ إلَّا وَقَدْ خُصَّ بِخِلَافِ حَمْلِ الْحَقِّ الثَّابِتِ لِلَّهِ فِي رِقَابِ الْمَاشِيَةِ عَلَى الْعَارِيَّةِ، وَلَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى زَكَاةِ التِّجَارَةِ «لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ سُئِلَ عَنْ الْحَمِيرِ بَعْدَ الْخَيْلِ فَقَالَ: لَمْ يَنْزِلْ عَلَيَّ فِيهَا شَيْءٌ» فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ فِي الْخَيْلِ زَكَاةَ التِّجَارَةِ لَمْ يَصِحَّ نَفْيُهَا فِي الْحَمِيرِ، وَمَا قِيلَ إنَّهُ كَانَ وَاجِبًا ثُمَّ نُسِخَ بِدَلِيلِ مَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ عَفَوْتُ لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ فَهَاتُوا صَدَقَةَ الرِّقَةِ» وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: كِلَاهُمَا عِنْدِي عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ رُوِيَ عَنْهُمَا، وَالْعَفْوُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ شَيْءٍ لَازِمٍ فَمَمْنُوعٌ، بَلْ يَصْدُقُ أَيْضًا مَعَ تَرْكِ الْأَخْذِ مِنْ الِابْتِدَاءِ تَفَضُّلًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، فَمَنْ قَدَرَ عَلَى الْأَخْذِ مِنْ أَحَدٍ وَكَانَ مُحِقًّا فِي الْأَخْذِ غَيْرَ مَلُومٍ فِيهِ فَتَرَكَهُ مَعَ ذَلِكَ تَكَرُّمًا وَرِفْقًا بِهِ صَدَقَ مَعَهُ ذَلِكَ وَيُقَدَّمُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ لِلْقُوَّةِ، وَقَدْ رَأَيْنَا هَذَا الْأَمْرَ قَدْ تَقَرَّرَ فِي زَمَنِ عُمَرَ فَكَيْفَ يَكُونُ مَنْسُوخًا؟ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رَوَى فِيهِ جُوَيْرِيَةُ عَنْ مَالِكٍ حَدِيثًا صَحِيحً أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ جُوَيْرِيَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ أَخْبَرَهُ قَالَ: رَأَيْت أَبِي يُقَيِّمُ الْخَيْلَ ثُمَّ يَدْفَعُ صَدَقَتَهَا إلَى عُمَرَ. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّ جُبَيْرُ بْنُ يَعْلَى أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ يَعْلَى بْنَ أُمَيَّةَ يَقول: ابْتَاعَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أُمَيَّةَ أَخُو يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ مِنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَرَسًا أُنْثَى بِمِائَةِ قَلُوصٍ، فَنَدِمَ الْبَائِعُ فَلَحِقَ بِعُمَرَ، فَقَالَ: غَصَبَنِي يَعْلَى وَأَخُوهُ فَرَسًا لِي، فَكَتَبَ إلَى يَعْلَى أَنْ الْحَقْ بِي، فَأَتَاهُ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ فَقَالَ: إنَّ الْخَيْلَ لَتَبْلُغُ هَذَا عِنْدَكُمْ مَا عَلِمْتُ أَنَّ فَرَسًا يَبْلُغُ هَذَا فَنَأْخُذُ عَنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً وَلَا نَأْخُذُ مِنْ الْخَيْلِ شَيْئًا، خُذْ مِنْ كُلِّ فَرَسٍ دِينَارًا، فَقَرَّرَ عَلَى الْخَيْلِ دِينَارًا دِينَارًا. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي حُسَيْنٍ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُثْمَانَ كَانَ يُصْدِقُ الْخَيْلَ، وَأَنَّ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ أَخْبَرَهُ أَنْ كَانَ يَأْتِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بِصَدَقَةِ الْخَيْلِ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: لَا أَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَّ صَدَقَةَ الْخَيْلِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: فِي الْخَيْلِ السَّائِمَةِ الَّتِي يُطْلَبُ نَسْلُهَا، إنْ شِئْت فِي كُلِّ فَرَسٍ دِينَارًا وَعَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَإِنْ شِئْت فَالْقِيمَةَ، فَيَكُونُ فِي كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ فِي كُلِّ فَرَسٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، فَقَدْ ثَبَتَ أَصْلُهَا عَلَى الْإِجْمَالِ فِي كَمِّيَّةِ الْوَاجِبِ فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ وَثَبَتَتْ الْكَمِّيَّةُ، وَتَحَقَّقَ الْأَخْذُ فِي زَمَنِ الْخَلِيفَتَيْنِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ بَعْدَ اعْتِرَافِ عُمَرَ بِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَبُو بَكْرٍ عَلَى مَا أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ حَارِثَةَ بْنَ مُضَرِّبٍ قَالَ: جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ إلَى عُمَرَ فَقَالُوا: إنَّا قَدْ أَصَبْنَا أَمْوَالًا خَيْلًا وَرَقِيقًا وَإِنَّا نُحِبُّ أَنْ تُزَكِّيَهُ، فَقَالَ: مَا فَعَلَهُ صَاحِبَايَ قَبْلِي فَأَفْعَلُهُ أَنَا ثُمَّ اسْتَشَارَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا حَسَنٌ، وَسَكَتَ عَلِيٌّ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: هُوَ حَسَنٌ لَوْ لَمْ تَكُنْ جِزْيَةً رَاتِبَةً يُؤْخَذُونَ بِهَا بَعْدَك، فَأَخَذَ مِنْ الْفَرَسِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ ثُمَّ أَعَادَهُ قَرِيبًا مِنْهُ بِذَلِكَ السَّنَدِ وَالْقِصَّةِ.
وَقَالَ فِيهِ: فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ فَرَسٍ دِينَارًا، فَفِي هَذَا أَنَّهُ اسْتَشَارَهُمْ فَاسْتَحْسَنُوهُ، وَكَذَا اسْتَحْسَنَهُ عَلِيٌّ بِشَرْطٍ شَرَطَهُ وَهُوَ أَنْ لَا يُؤْخَذُونَ بِهِ بَعْدَهُ، وَقَدْ قُلْنَا بِمُقْتَضَاهُ إذْ قُلْنَا لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَ صَدَقَةَ سَائِمَةِ الْخَيْلِ جَبْرًا، فَإِنَّ أَخْذَ الْإِمَامِ هُوَ الْمُرَادُ بِقولهِ يُؤْخَذُونَ بِهَا مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، إذْ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ اسْتِحْسَانُهُ مَشْرُوطًا بِأَنْ لَا يَتَبَرَّعُوا بِهَا لِمَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ لِأَنَّهُ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ، وَهَذَا حِينَئِذٍ فَوْقَ الْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ. فَإِنْ قِيلَ: اسْتِحْسَانُهُمْ إنَّمَا هُوَ لِقَبُولِهَا مِنْهُمْ إذَا تَبَرَّعُوا بِهَا وَصَرَفَهَا إلَى الْمُسْتَحَقِّينَ لَا لِلْإِيجَابِ. قُلْنَا رِوَايَةٌ، فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ فَرَسٍ دِينَارًا مُرَتَّبًا عَلَى اسْتِحْسَانِهِمْ، وَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قول عُمَرَ لِيَعْلَى: خُذْ مِنْ كُلِّ فَرَسٍ دِينَارًا فَقَرَّرَ عَلَى كُلٍّ دِينَارًا يُوجِبُ خِلَافَ مَا قُلْت، وَغَايَةُ مَا فِي ذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ مَبْدَأُ اجْتِهَادِهِمْ، وَكَأَنَّهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ رَأَوْا أَنَّ مَا قَدَّمْنَا مِنْ حَدِيثِ مَانِعِي الزَّكَاةِ يُفِيدُ الْوُجُوبَ حَيْثُ أَثْبَتَ فِي رِقَابِهَا حَقًّا لِلَّهِ، وَرَتَّبَ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْهُ كَوْنَهَا لَهُ حِينَئِذٍ سِتْرًا يَعْنِي مِنْ النَّارِ، هَذَا هُوَ الْمَعْهُودُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِعِ كَقولهِ فِي عَائِلِ الْبَنَاتِ «كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنْ النَّارِ» وَغَيْرِهِ، وَلِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِكَوْنِ الْمُرَادِ سِتْرًا فِي الدُّنْيَا بِمَعْنَى ظُهُورِ النِّعْمَةِ، إذْ لَا مَعْنَى لِتَرْتِيبِ ذَلِكَ عَلَى عَدَمِ نِسْيَانِ حَقِّ اللَّهِ فِي رِقَابِهَا فَإِنَّهُ ثَابِتٌ، وَإِنْ نَسِيَ فَثَبَتَ الْوُجُوبُ وَعَدَمُ أَخْذِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَانِهِ أَصْحَابُ الْخَيْلِ السَّائِمَةِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بَلْ أَهْلُ الْإِبِلِ، وَمَا تَقَدَّمَ إذْ أَصْحَابُ هَذِهِ إنَّمَا هُمْ أَهْلُ الْمَدَائِنِ وَالدَّشْتِ وَالتَّرَاكِمَةِ، وَإِنَّمَا فُتِحَتْ بِلَادُهُمْ فِي زَمَنِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَلَعَلَّ مَلْحَظَهُمْ فِي خُصُوصِ تَقْدِيرِ الْوَاجِبِ مَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ مِنْ قولهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسلام: «فِي كُلِّ فَرَسٍ دِينَارٌ» كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْإِمَامِ عَنْ الدَّارَقُطْنِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ صَحِيحٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا عَلَى طَرِيقَةِ الْمُحَدِّثِينَ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ عَلَى طَرِيقِهِمْ إلَّا عَدَمُهَا ظَاهِرًا دُونَ نَفْسِ الْأَمْرِ، عَلَى أَنَّ الْفَحْصَ عَنْ مَأْخَذِهِمْ لَا يَلْزَمُنَا إذْ يَكْفِي الْعِلْمُ بِمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ.
قولهُ: (وَلَيْسَ فِي ذُكُورِهَا إلَخْ) فِي كُلٍّ مِنْ الذُّكُورِ الْمُنْفَرِدَةِ وَالْإِنَاثِ الْمُنْفَرِدَةِ رِوَايَتَانِ، وَالرَّاجِحُ فِي الذُّكُورِ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَفِي الْإِنَاثِ الْوُجُوبُ.

.(فَصْلٌ) فِي الْفُصْلَانِ وَالْحُمْلَانِ وَالْعَجَاجِيلِ:

(وَلَيْسَ فِي الْفُصْلَانِ وَالْحُمْلَانِ وَالْعَجَاجِيلِ صَدَقَةٌ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهَا كِبَارٌ، وَهَذَا آخِرُ أَقْوَالِهِ وَهُوَ قول مُحَمَّدٍ، وَكَانَ يَقول أَوَّلًا يَجِبُ فِيهَا مَا يَجِبُ فِي الْمَسَانِّ، وَهُوَ قول زُفَرَ وَمَالِكٍ، ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ فِيهَا وَاحِدَةٌ مِنْهَا. وَهُوَ قول أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَجْهُ قولهِ الْأَوَّلِ أَنَّ الِاسْمَ الْمَذْكُورَ فِي الْخِطَابِ يَنْتَظِمُ الصِّغَارَ وَالْكِبَارَ. وَوَجْهُ الثَّانِي تَحْقِيقُ النَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَمَا يَجِبُ فِي الْمَهَازِيلِ وَاحِدٌ مِنْهَا وَوَجْهُ الْأَخِيرِ أَنَّ الْمَقَادِيرَ لَا يَدْخُلُهَا الْقِيَاسُ فَإِذَا امْتَنَعَ إيجَابُ مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ امْتَنَعَ أَصْلًا، وَإِذَا كَانَ فِيهَا وَاحِدٌ مِنْ الْمَسَانِّ جَعَلَ الْكُلَّ تَبَعًا لَهُ فِي انْعِقَادِهَا نِصَابًا دُونَ تَأْدِيَةِ الزَّكَاةِ، ثُمَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجِبُ فِيمَا دُونَ الْأَرْبَعِينَ مِنْ الْحُمْلَانِ وَفِيمَا دُونَ الثَّلَاثِينَ مِنْ الْعَجَاجِيلِ، وَيَجِبُ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْفُصْلَانِ وَاحِدٌ ثُمَّ لَا يَجِبُ شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ مَبْلَغًا لَوْ كَانَتْ مَسَانَّ يُثْنِي الْوَاجِبَ، ثُمَّ لَا يَجِبُ شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ مَبْلَغًا لَوْ كَانَتْ مَسَانَّ يُثَلِّثُ الْوَاجِبَ، وَلَا يَجِبُ فِيمَا دُونَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فِي رِوَايَةٍ. وَعَنْهُ أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْخَمْسِ خُمْسُ فَصِيلٍ، وَفِي الْعَشَرِ خُمُسَا فَصِيلٍ عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارُ، وَعَنْهُ أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى قِيمَةِ خُمْسِ فَصِيلٍ وَسَطٍ وَإِلَى قِيمَةِ شَاةٍ فِي الْخَمْسِ فَيَجِبُ أَقَلُّهُمَا، وَفِي الْعَشَرِ إلَى قِيمَةِ شَاتَيْنِ وَإِلَى قِيمَةِ خُمْسَيْ فَصِيلٍ عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارُ.
الشَّرْحُ:
(فَصْلٌ) فِي الْفُصْلَانِ وَالْحُمْلَانِ وَالْعَجَاجِيلِ:
قولهُ: (وَلَيْسَ فِي الْفِصْلَانِ) جَمْعُ فَصِيلٍ: وَلَدُ النَّاقَةِ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ ابْنَ مَخَاضٍ. وَالْعَجَاجِيلُ جَمْعُ عِجَّوْلٍ وَلَدُ الْبَقَرَةِ. وَالْحُمْلَانُ جَمْعُ حَمَلٍ بِالتَّحْرِيكِ: وَلَدُ الشَّاةِ. صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ: اشْتَرَى خَمْسَةً وَعِشْرِينَ فَصِيلًا أَوْ حَمَلَا أَوْ عُجُولًا أَوْ وُهِبَ لَهُ لَا يَنْعَقِدُ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، حَتَّى إذَا مَضَى حَوْلٌ مِنْ وَقْتِ الْمِلْكِ لَا تَجِبُ فِيهَا بَلْ إذَا تَمَّ مِنْ حِينِ صَارَتْ كِبَارًا وَتُصَوِّرَ أَيْضًا إذَا كَانَ لَهُ نِصَابُ سَائِمَةٍ فَمَضَى سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَوَلَدَتْ نِصَابًا ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمَّهَاتُ وَتَمَّ الْحَوْلُ عَلَى الْأَوْلَادِ.
قولهُ: (الِاسْمَ الْمَذْكُورَ فِي الْخِطَابِ) يَعْنِي اسْمَ الشَّاةِ.
قولهُ: (تَحْقِيقُ النَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ) جَانِبِ صَاحِبِ الْمَالِ بِعَدَمِ إخْرَاجِ مُسِنَّةٍ، وَجَانِبِ الْفُقَرَاءِ بِعَدَمِ إخْرَاجٍ بِالْكُلِّيَّةِ كَمَا يَجِبُ فِي الْمَهَازِيلِ إلْحَاقًا لِنُقْصَانِ السِّنِّ بِنُقْصَانِ الْوَصْفِ لَمَّا رَأَيْنَا النُّقْصَانَ بِالْهُزَالِ رَدَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ وَهُوَ الْوَسَطُ إلَى وَاحِدٍ مِنْهَا وَلَمْ يَبْطُلْ أَصْلًا فَكَذَلِكَ النُّقْصَانُ بِالسِّنِّ مَعَ قِيَامِ الْإِسَامَةِ وَاسْمِ الْإِبِلِ، إلَّا أَنَّ الرَّدَّ إلَى وَاحِدَةٍ مِنْهَا يَمْنَعُنَا مِنْ تَرْتِيبِ السِّنِّ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ بِأَنْ يَجِبَ بِنْتُ مَخَاضٍ ثُمَّ بِنْتُ لَبُونٍ ثُمَّ حِقَّةٌ. وَهَكَذَا تَبِيعٌ ثُمَّ مُسِنَّةٌ، وَلَمْ يَمْنَعْنَا فِي الْمَهَازِيلِ فَعَمِلْنَا بِقَدْرِ الْمُمْكِنِ فَقُلْنَا لَا شَيْءَ حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ فَصِيلًا فَيَكُونَ فِيهَا فَصِيلٌ، ثُمَّ لَا شَيْءَ حَتَّى تَبْلُغَ سِتًّا وَسَبْعِينَ فَفِيهَا فَصِيلَانِ، وَهَكَذَا فِي ثَلَاثِينَ عَجُولًا عِجَّوْلٌ، ثُمَّ لَا شَيْءَ حَتَّى تَبْلُغَ سِتِّينَ فَفِيهَا عَجُولَانِ، ثُمَّ لَا شَيْءَ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعِينَ فَفِيهَا ثَلَاثَةُ عَجَاجِيلٍ لِأَنَّ السَّبَبَ مَتَى ثَبَتَ ثَبَتَ حُكْمُهُ إلَّا بِقَدْرِ الْمَانِعِ، هَذَا عَلَى أَقْوَى الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهِيَ رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ. وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ انْدَفَعَ اسْتِبْعَادُ مُحَمَّدٍ إذْ قَالَ: إنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَوْجَبَ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَاحِدَةً فِي مَالٍ اُعْتُبِرَ قَبْلَهُ أَرْبَعَةَ نُصُبٍ، وَفِي سِتٍّ وَسَبْعِينَ ثِنْتَيْنِ فِي مَوْضِعٍ اُعْتُبِرَ ثَلَاثَ نُصُبٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، فَفِي الْمَالِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ هَذِهِ النُّصُبِ فِيهِ لَوْ أَوْجَبْنَا كَانَ بِالرَّأْيِ لَا بِالنَّصِّ وَلَا مَدْخَلَ لِلرَّأْيِ هُنَا.
قوله: (وَوَجْهُ الْأَخِيرِ) أَيْ مِنْ أَقَاوِيلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قول مُحَمَّدٍ إنَّ الْمَقَادِيرَ لَا يَدْخُلُهَا الْقِيَاسُ، فَإِذَا امْتَنَعَ إيجَابُ مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ امْتَنَعَ أَصْلًا. وَالنَّصُّ وَرَدَ بِالشَّاةِ وَالْبَقَرَةِ وَالنَّاقَةِ لَا مُطْلَقًا بَلْ ذَاتُ السِّنِّ الْمُعَيَّنِ مِنْ الثَّنِيَّةِ وَالتَّبِيعِ وَبِنْتِ الْمَخَاضِ مَثَلًا وَلَمْ يُوجَدْ فَتَعَذَّرَ الْإِيجَابُ. فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ الصِّغَارَ أَصْلًا، فَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ فِي قِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ: لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا مِمَّا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتهمْ عَلَيْهِ. فَدَلَّ أَنَّهُ كَانَ يُعْطَى فِي الزَّكَاةِ: سَلَّمْنَاهُ، لَكِنَّ إيجَابَ الْأَسْنَانِ الْمُعَيَّنَةِ لَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى وُجُودِهَا فِي الْمُوجَبِ فِيهِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ أَوْجَبَ فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاةً، وَلَيْسَتْ فِيهَا فَلَمْ يَتَوَقَّفْ إيجَابُهَا عَلَى أَنْ تَكُونَ عِنْدَهُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَحْدِثَ مِلْكَهَا بِطَرِيقِهِ وَيَدْفَعَهَا، فَكَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَحْدِثَ مِلْكَ مُسِنَّةٍ وَيَدْفَعَهَا.
قُلْنَا أَمَّا الْأَوَّلُ فَيَدُلُّ عَلَى نَفْيِهِ مَا فِي أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ قال: «أَتَانَا مُصَدِّقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ فَجَلَسْتُ إلَيْهِ فَسَمِعْتُهُ يَقول: فِي عَهْدِي: يَعْنِي فِي كِتَابِي أَنْ لَا آخُذَ رَاضِعَ لَبَنٍ» الْحَدِيثَ دَلَّ بِالْمُطَابَقَةِ عَلَى عَدَمِ أَخْذِهَا مُطْلَقًا، وَبِالِالْتِزَامِ عَلَى أَنْ لَيْسَ فِي الصِّغَارِ وَاحِدَةٌ مِنْهَا، إذْ لَوْ كَانَ لَأَخَذْت الرَّاضِعَ، وَحَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ لَا يُعَارِضُهُ لِأَنَّ أَخْذَ الْعَنَاقِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْأَخْذَ مِنْ الصِّغَارِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَا قَدَّمْنَا فِي حَدِيثِ الْمُرْتَدِفِينَ فِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ أَنَّ الْعَنَاقَ يُقَالُ عَلَى الْجَذَعَةِ وَالثَّنِيَّةِ وَلَوْ مَجَازًا، فَارْجِعْ إلَيْهِ فَيَجِبُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ دَفْعًا لِلتَّعَارُضِ، وَلَوْ سَلِمَ جَازَ أَخْذُهَا بِطَرِيقِ الْقِيمَةِ لَا أَنَّهَا هِيَ نَفْسُ الْوَاجِبِ، وَنَحْنُ نَقول بِهِ أَوْ هُوَ عَلَى طَرِيقِ الْمُبَالَغَةِ لَا التَّحْقِيقِ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عِقَالًا مَكَانَ الْعَنَاقِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ إيجَابَ الْكَرَائِمِ وَهُوَ مُنْتَفٍ بِمَا فِي الصَّحِيحِ وَغَيْرِهِ مِنْ قولهِ لِمُعَاذٍ «إيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ» وَرُوِيَ مَعْنَاهُ كَثِيرًا حَتَّى صَارَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الزَّكَاةِ وَمُنَاقِضٌ لِمَا عُرِفَ بِالضَّرُورَةِ فِي أُصُولِ الزَّكَوَاتِ مِنْ كَوْنِ الْوَاجِبِ قَلِيلًا مِنْ كَثِيرٍ، وَرُبَّمَا نَأْتِي الْمُسِنَّةَ عَلَى غَالِبِ الْحُمْلَانِ أَوْ كُلِّهَا خُصُوصًا إذَا كَانَتْ أَسْنَانُهَا يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فَيَكُونُ هَذَا إيجَابُ إخْرَاجِ كُلِّ الْمَالِ مَعْنَى وَهُوَ مَعْلُومُ النَّفْيِ بِالضَّرُورَةِ، بَلْ يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ زَكَاةَ الْمَالِ فَإِنَّ إضَافَةَ اسْمِ زَكَاةِ الْمَالِ يَأْبَى كَوْنَهُ إخْرَاجَ الْكُلِّ. وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ إخْرَاجَ الْكَرَائِمِ وَالْكَثِيرِ مِنْ الْقَلِيلِ يَلْزَمُكُمْ فِيمَا إذَا كَانَ فِيهَا مُسِنَّةٌ وَاحِدَةٌ فَإِنَّهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْبَاقِي كَذَلِكَ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ لُزُومَ إخْرَاجِ الْكُلِّ مَعْنًى مُنْتَفٍ لَكِنَّ ثُبُوتَ انْتِفَاءِ إخْرَاجِ الْأَكْثَرِ فِي الشَّرْعِ كَثُبُوتِ انْتِفَاءِ إخْرَاجِ الْكُلِّ، فَمَا هُوَ جَوَابُكُمْ عَنْ هَذَا فَهُوَ جَوَابُنَا عَنْ ذَلِكَ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى ثُبُوتِ هَذَا الْحُكْمِ فِي صُورَةِ وُجُودِ مُسِنَّةٍ مَعَ الْحُمْلَانِ وَهُوَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ: أَعْنِي مَا قَدَّمْنَا مِنْ ضَرُورِيَّةِ الِانْتِفَاءَيْنِ فِي غَيْرِهَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَلْحَقَ بِهَا.
قولهُ: (جَعَلَ الْكُلَّ تَبَعًا لَهُ فِي انْعِقَادِهَا نِصَابًا دُونَ تَأْدِيَةِ الزَّكَاةِ) لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ مِنْ الثَّنِيَّاتِ، هَذَا إذَا كَانَ عَدَدُ الْوَاجِبِ مِنْ الْكِبَارِ مَوْجُودًا فِيهَا، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فَلَا يَجِبُ بَيَانُهُ، لَوْ كَانَتْ مُسِنَّتَانِ وَمِائَةٌ وَتِسْعَةَ عَشَرَ حَمَلًا يَجِبُ فِيهَا مُسِنَّتَانِ، وَلَوْ كَانَتْ لَهُ مُسِنَّةٌ وَاحِدَةٌ وَمِائَةٌ وَعِشْرُونَ حَمَلًا؛ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ تَجِبُ مُسِنَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مُسِنَّةٌ وَحَمَلٌ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ فَصِيلُ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، وَإِذَا وَجَبَتْ الْمُسِنَّةُ دُفِعَتْ وَإِنْ كَانَتْ دُونَ الْوَسَطِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِاعْتِبَارِهَا فَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا، فَإِنْ هَلَكَتْ بَعْدَ الْحَوْلِ بَطَلَتْ الزَّكَاةُ، لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْوُجُوبُ بِاعْتِبَارِهَا كَانَ هَلَاكُهَا كَهَلَاكِ الْكُلِّ، وَالْحُكْمُ لَا يَبْقَى فِي التَّبَعِ بَعْدَ فَوَاتِ الْأَصْلِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَبْقَى فِي الصِّغَارِ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ جُزْءًا مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ الْحَمَلِ لِأَنَّ عِنْدَهُ الصِّغَارَ أَصْلٌ فِي الْوُجُوبِ، إلَّا أَنَّ فَضْلَ الْكَبِيرِ كَانَ بِاعْتِبَارِ تِلْكَ الْمُسِنَّةِ فَيَبْطُلُ بِهَلَاكِهَا وَيَكُونُ هَذَا نُقْصَانًا لِلنِّصَابِ، وَلَوْ هَلَكَتْ الْحُمْلَانُ وَبَقِيَتْ الْمُسِنَّةُ يُؤْخَذُ قِسْطُهَا وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ الْمُسِنَّةِ جَعَلَ هَلَاكَ الْمُسِنَّةِ كَهَلَاكِ الْكُلِّ وَلَمْ يَجْعَلْ قِيَامَهَا كَقِيَامِ الْكُلِّ، وَالْفَرْقُ يُطْلَبُ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ.
قولهُ: (ثُمَّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إلَخْ) تَقَدَّمَ شَرْحُ هَذَا فِي أَثْنَاءِ تَقْرِيرِ وَجْهِ قول أَبِي يُوسُفَ.

متن الهداية:
قَالَ: (وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ سِنٌّ وَلَمْ تُوجَدْ أَخَذَ الْمُصَدِّقُ أَعْلَى مِنْهَا وَرَدَّ الْفَضْلَ أَوْ أَخَذَ دُونَهَا) وَأَخَذَ الْفَضْلَ، وَهَذَا يَبْتَنِي عَلَى أَنَّ أَخْذَ الْقِيمَةِ فِي بَابِ الزَّكَاةِ جَائِزٌ عِنْدَنَا عَلَى مَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، إلَّا أَنَّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَهُ أَنْ لَا يَأْخُذَ وَيُطَالِبَ بِعَيْنِ الْوَاجِبِ أَوْ بِقِيمَتِهِ لِأَنَّهُ شِرَاءٌ.
وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي يُجْبَرُ لِأَنَّهُ لَا بَيْعَ فِيهِ بَلْ هُوَ إعْطَاءٌ بِالْقِيمَةِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (أَخَذَ الْمُصَدِّقُ) أَيْ عَامِلُ الصَّدَقَاتِ إلَخْ يُفِيدُ أَنَّ الْخِيَارَ فِي أَخْذِ الْأَعْلَى وَرَدِّ الْفَضْلِ أَوْ الْأَدْنَى وَإِعْطَاءِ الْفَضْلِ لِلْمُصَدِّقِ، وَالْوَاقِعُ أَنَّ الْخِيَارَ لِرَبِّ الْمَالِ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي فَقَطْ. وَأَطْلَقَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ الْخِيَارَ لِرَبِّ الْمَالِ إذْ الْخِيَارُ شُرِعَ رِفْقًا بِمَنْ عَلَيْهِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَجْعَلَ الْخِيَارَ إلَيْهِ مَعَ تَحَقُّقِ قولهِمْ يُجْبَرُ الْمُصَدِّقُ عَلَى قَبُولِ الْأَدْنَى مَعَ الْفَضْلِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ الْأَعْلَى وَرَدِّ الْفَضْلِ، لِأَنَّ هَذَا يَتَضَمَّنُ بَيْعَ الْفَضْلِ مِنْ الْمُصَدِّقِ، وَمَبْنَى الْبَيْعِ عَلَى التَّرَاضِي لَا الْجَبْرِ وَهَذَا يُحَقِّقُ أَنْ لَا خِيَارَ لَهُ فِي الْأَعْلَى، إذْ مَعْنَى ثُبُوتِ الْخِيَارِ مُطْلَقًا لَهُ أَنْ يُقَالَ لَهُ: أَعْطِ مَا شِئْت أَعْلَى أَوْ أَدْنَى، فَإِذَا كَانَ بِحَيْثُ لَا يَقْبَلُ مِنْهُ الْأَعْلَى لَمْ يَجْعَلْ الْخِيَارَ إلَيْهِ فِيهِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ لَوْ طَلَبَ السَّاعِي مِنْهُ الْأَعْلَى فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَتَخَيَّرَ بَيْنَ أَنْ يُعْطِيَهُ أَوْ يُعْطِيَ الْأَدْنَى. وَقولهُ وَأَعْطَى الْفَضْلَ وَأَخَذَ الْفَضْلَ مُطْلَقًا يُفِيدُ أَنَّ جُبْرَانَ مَا بَيْنَ السِّنَّيْنِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ، بَلْ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْأَوْقَاتِ غَلَاءً وَرُخْصًا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هُوَ مُقَدَّرٌ بِشَاتَيْنِ أَوْ عَشَرَةٍ لِمَا قَدَّمْنَا فِي كِتَابِ الصِّدِّيقِ مِنْ أَنَّهُ إذْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ بِنْتَ مَخَاضٍ فَلَمْ تُوجَدْ أَعْطَى إمَّا بِنْتَ لَبُونٍ وَأَخَذَ شَاتَيْنِ أَوْ عَشَرَةً أَوْ ابْنَ لَبُونٍ لَيْسَ غَيْرُ. قُلْنَا: هَذَا كَانَ قِيمَةَ التَّفَاوُتِ فِي زَمَانِهِمْ وَابْنُ اللَّبُونِ يَعْدِلُ بِنْتَ الْمَخَاضِ، إذْ ذَاكَ جَعْلًا لِزِيَادَةِ السِّنِّ مُقَابَلًا بِزِيَادَةِ الْأُنُوثَةِ، فَإِذَا تَغَيَّرَ تَغَيَّرَ وَإِلَّا لَزِمَ عَدَمُ الْإِيجَابِ مَعْنًى بِأَنْ تَكُونَ الشَّاتَانِ أَوْ الْعِشْرُونَ الَّتِي يَأْخُذُهَا مِنْ الْمُصَدِّقِ تُسَاوِي السِّنَّ الَّذِي يُعْطِيهِ خُصُوصًا إذَا فَرَضْنَا الصُّورَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْمَهَازِيلِ فَإِنَّهُ لَا يَبْعُدُ كَوْنُ الشَّاتَيْنِ تُسَاوَيَانِ بِنْتَ لَبُونٍ مَهْزُولَةٍ جِدًّا فَإِعْطَاؤُهَا فِي بِنْتِ مَخَاضٍ مَعَ اسْتِرْدَادِ شَاتَيْنِ إخْلَاءٌ مَعْنًى أَوْ الْإِجْحَافُ بِرَبِّ الْمَالِ بِأَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ وَهُوَ الدَّافِعُ لِلْأَدْنَى، وَكُلٌّ مِنْ اللَّازِمَيْنِ مُنْتَفٍ شَرْعًا فَيَنْتَفِي مَلْزُومُهُمَا وَهُوَ تَعَيُّنُ الْجَابِرِ.
فُرُوعٌ:
عَجَّلَ عَنْ أَرْبَعِينَ بَقَرَةً مُسِنَّةً فَهَلَكَ مِنْ بَقِيَّةِ النِّصَابِ وَاحِدَةٌ وَلَمْ يَسْتَفِدْ شَيْئًا حَتَّى تَمَّ الْحَوْلُ يُمْسِكُ السَّاعِي مِنْ الْمُعَجَّلِ قَدْرَ تَبِيعٍ وَيَرُدُّ الْبَاقِيَ، وَلَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمُسِنَّةَ وَيُعْطِيَهُ مِمَّا عِنْدَهُ تَبِيعًا لِأَنَّ قَدْرَ التَّبِيعِ مِنْ الْمُسِنَّةِ صَارَ زَكَاةً حَقًّا لِلْفُقَرَاءِ فَلَا يُسْتَرَدُّ، وَمِثْلُهُ فِي تَعْجِيلِ بِنْتِ الْمَخَاضِ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ إذَا انْتَقَصَ الْبَاقِي وَاحِدَةً فَتَمَّ الْحَوْلُ أَمْسَكَ السَّاعِي قَدْرَ أَرْبَعِ شِيَاهٍ. وَرَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَرُدُّهَا وَلَا يَحْبِسُ شَيْئًا وَيُطَالَبُ بِأَرْبَعِ شِيَاهٍ لِأَنَّهُ فِي إمْسَاكِ الْبَعْضِ وَرَدِّ الْبَعْضِ ضَرَرُ التَّشْقِيصِ بِالشَّرِكَةِ. وَقِيَاسُ هَذِهِ فِي الْبَقَرَةِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمُسِنَّةَ لَكِنْ فِي هَذَا نَظَرٌ إذْ لَا شَرِكَةَ بَعْدَ دَفْعِ قِيمَةِ الْبَاقِي، وَلَوْ كَانَ اسْتَهْلَكَ الْمُعَجَّلَ أَمْسَكَ مِنْ قِيمَتِهَا قَدْرَ التَّبِيعِ وَالْأَرْبَعِ شِيَاهٍ وَرَدَّ الْبَاقِيَ. وَلَوْ تَمَّ الْحَوْلُ وَقَدْ زَادَتْ الْأَرْبَعُونَ إلَى سِتِّينَ فَحَقُّ السَّاعِي فِي تَبِيعَيْنِ فَلَيْسَ لِلْمَالِكِ اسْتِرْدَادُ الْمُسِنَّةِ بَلْ يُكَمِّلُ الْفَضْلَ لِلسَّاعِي، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَخَذَ الْمُسِنَّةَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا أَرْبَعُونَ فَإِذَا هِيَ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ فَإِنَّهُ يَرُدُّ الْمُسِنَّةَ وَيَأْخُذُ تَبِيعًا، لِأَنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى الْغَلَطِ يُعْدِمُ الرِّضَا أَمَّا هُنَاكَ فَدَفَعَ عَنْ رِضًا عَلَى احْتِمَالِ أَنْ تَصِيرَ زَكَاةً، وَلَمْ يَظْهَرْ أَنَّ الِاحْتِمَالَ لَمْ يَكُنْ، وَلَوْ لَمْ يَظْهَرْ الْغَلَطُ حَتَّى تَصَدَّقَ بِهَا السَّاعِي فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ أَخَذَهَا كَرْهًا عَلَى ذَلِكَ الظَّنِّ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيمَا عَمِلَ لِغَيْرِهِ، فَضَمَانُ خَطَئِهِ عَلَى مَنْ وَقَعَ الْعَمَلُ لَهُ، فَإِنْ وَجَدَ الْفَقِيرَ ضَمَّنَهُ مَا زَادَ عَلَى التَّبِيعِ وَإِلَّا يُؤْخَذُ مِنْ الْمَجْمُوعِ فِي يَدِهِ مِنْ أَمْوَالِ الزَّكَاةِ وَهُوَ بَيْتُ مَالِ الْفُقَرَاءِ، كَالْقَاضِي إذَا أَخْطَأَ فِي قَضَائِهِ بِمَالٍ أَوْ نَفْسٍ فَضَمَانُهُ عَلَى مَنْ وَقَعَ الْقَضَاءُ لَهُ أَوْ بَيْتِ الْمَالِ. فَإِنْ كَانَ السَّاعِي تَعَمَّدَ الْأَخْذَ فَضَمَانُهُ فِي مَالِهِ لِأَنَّهُ مُتَعَمِّدٌ، هَذَا وَلَوْ لَمْ يُزِدْ وَلَمْ يُنْقِصْ، فَالْقِيَاسُ أَنْ يَصِيرَ قَدْرُ أَرْبَعٍ مِنْ الْغَنَمِ زَكَاةً وَيَرُدَّ الْبَاقِيَ لِأَنَّ الْمُعَجَّلَ خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ وَقْتَ التَّعْجِيلِ.
وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَكُونُ الْكُلُّ زَكَاةً لِمَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّهُ إذَا تَعَذَّرَ جَعَلَ كُلَّ الْمُعَجَّلِ زَكَاةً مِنْ وَقْتِ التَّعْجِيلِ يُجْعَلُ زَكَاةً مَقْصُورًا عَلَى الْحَالِّ، هَذَا وَلَوْ كَانَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْغَنَمِ فَسَيَأْتِي.

متن الهداية:
(وَيَجُوزُ دَفْعُ الْقِيَمِ فِي الزَّكَاةِ) عِنْدَنَا وَكَذَا فِي الْكَفَّارَاتِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْعُشْرِ وَالنَّذْرِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ اتِّبَاعًا لِلْمَنْصُوصِ كَمَا فِي الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا. وَلَنَا أَنَّ الْأَمْرَ بِالْأَدَاءِ إلَى الْفَقِيرِ إيصَالًا لِلرِّزْقِ الْمَوْعُودِ إلَيْهِ فَيَكُونُ إبْطَالًا لِقَيْدِ الشَّاةِ وَصَارَ كَالْجِزْيَةِ، بِخِلَافِ الْهَدَايَا لِأَنَّ الْقُرْبَةَ فِيهَا إرَاقَةُ الدَّمِ وَهُوَ لَا يُعْقَلُ. وَوَجْهُ الْقُرْبَةِ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ سَدُّ خُلَّةِ الْمُحْتَاجِ وَهُوَ مَعْقول.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَيَجُوزُ دَفْعُ الْقِيَمِ فِي الزَّكَاةِ) فَلَوْ أَدَّى ثَلَاثَ شِيَاهٍ سِمَانٍ عَنْ أَرْبَعٍ وَسَطٍ أَوْ بَعْضَ بِنْتِ لَبُونٍ عَنْ بِنْتِ مَخَاضٍ جَازَ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ الْوَسَطُ فَلَمْ يَكُنْ الْأَعْلَى دَاخِلًا فِي النَّصِّ وَالْجُودَةُ مُعْتَبَرَةٌ فِي غَيْرِ الرِّبَوِيَّاتِ فَتَقُومُ مَقَامَ الشَّاةِ الرَّابِعَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ مِثْلِيًّا بِأَنْ أَدَّى أَرْبَعَةَ أَقْفِزَةٍ جَيِّدَةٍ عَنْ خَمْسَةٍ وَسَطٍ وَهِيَ تُسَاوِيهَا لَا يَجُوزُ أَوْ كِسْوَةً بِأَنْ أَدَّى ثَوْبًا يَعْدِلُ ثَوْبَيْنِ لَمْ يَجُزْ إلَّا عَنْ ثَوْبٍ وَاحِدٍ، أَوْ نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ شَاتَيْنِ وَسَطَيْنِ أَوْ يَعْتِقَ عَبْدَيْنِ وَسَطَيْنِ فَأَهْدَى شَاةً أَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا يُسَاوِي كُلٌّ مِنْهُمَا وَسَطَيْنِ لَا يَجُوزُ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْجُودَةَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِجِنْسِهَا فَلَا تَقُومُ الْجُودَةُ مَقَامَ الْقَفِيزِ الْخَامِسِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ مُطْلَقُ الثَّوْبِ فِي الْكَفَّارَةِ لَا بِقَيْدِ الْوَسَطِ فَكَانَ الْأَعْلَى وَغَيْرُهُ دَاخِلًا تَحْتَ النَّصِّ. وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّ الْقُرْبَةَ فِي الْإِرَاقَةِ وَالتَّحْرِيرِ وَقَدْ الْتَزَمَ إرَاقَتَيْنِ وَتَحْرِيرَيْنِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْعَهْدَةِ بِوَاحِدٍ، بِخِلَافِ النَّذْرِ بِالتَّصَدُّقِ بِأَنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِشَاتَيْنِ وَسَطَيْنِ فَتَصَدَّقَ بِشَاةٍ تَعْدِلُهُمَا جَازَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إغْنَاءُ الْفَقِيرِ وَبِهِ تَحْصُلُ الْقُرْبَةُ وَهُوَ يَحْصُلُ بِالْقِيمَةِ، وَعَلَى مَا قُلْنَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِقَفِيزِ دَقَلٍ فَتَصَدَّقَ بِنِصْفِهِ جَيِّدًا يُسَاوِي تَمَامَهُ لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّ الْجُودَةَ لَا قِيمَةَ لَهَا هُنَا لِلرِّبَوِيَّةِ وَالْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ، بِخِلَافِ جِنْسٍ آخَرَ لَوْ تَصَدَّقَ بِنِصْفِ قَفِيزٍ مِنْهُ يُسَاوِيهِ جَازَ الْكُلُّ مِنْ الْكَافِي.
قولهُ: (وَالنَّذْرِ) بِأَنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَذَا الدِّينَارِ فَتَصَدَّقَ بِعَدْلِهِ دَرَاهِمَ أَوْ بِهَذَا الْخُبْزِ فَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ جَازَ عِنْدَنَا.
قولهُ: (اتِّبَاعًا لِلْمَنْصُوصِ) وَهُوَ اسْمُ الشَّاةِ وَبِنْتُ الْمَخَاضِ وَالتَّبِيعُ إلَى آخِرِهَا.
قولهُ: (وَلَنَا أَنَّ الْأَمْرَ بِالْأَدَاءِ) أَيْ أَدَاءِ الشَّاةِ وَغَيْرِهَا لِغَرَضِ إيصَالِ الرِّزْقِ الْمَوْعُودِ لِأَنَّهُ تَعَالَى وَعَدَ أَرْزَاقَ الْكُلِّ، فَمِنْهُمْ مَنْ سَبَّبَ لَهُ سَبَبًا كَالتِّجَارَةِ وَغَيْرِهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَهُ عَنْ الْأَسْبَابِ ثُمَّ أَمَرَ الْأَغْنِيَاءَ أَنْ يُعْطُوهُمْ مِنْ مَالِهِ تَعَالَى مِنْ كُلٍّ كَذَا كَذَا، فَعُرِفَ قَطْعًا أَنَّ ذَلِكَ إيصَالٌ لِلرِّزْقِ الْمَوْعُودِ لَهُمْ وَابْتِلَاءٌ لِلْمُكَلَّفِ بِهِ بِالِامْتِثَالِ لِيَظْهَرَ مِنْهُ مَا عَلِمَهُ تَعَالَى مِنْ الطَّاعَةِ أَوْ الْمُخَالَفَةِ فَيُجَازِيَ بِهِ فَيَكُونَ الْأَمْرُ بِصَرْفِ الْمُعَيَّنِ مَصْحُوبًا بِهَذَا الْغَرَضِ مَصْحُوبًا بِإِبْطَالِ الْقَيْدِ وَمُفِيدٌ أَنَّ الْمُرَادَ قَدْرُ الْمَالِيَّةِ إذْ أَرْزَاقُهُمْ مَا انْحَصَرَتْ فِي خُصُوصِ الشَّاةِ بَلْ لِلْإِنْسَانِ حَاجَاتٌ مُخْتَلِفَةُ الْأَنْوَاعِ، فَظَهَرَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ إبْطَالَ النَّصِّ بِالتَّعْلِيلِ بَلْ إبْطَالَ أَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الشَّاةِ يَنْفِي غَيْرَهَا مِمَّا هُوَ قَدْرُهَا فِي الْمَالِيَّةِ، ثُمَّ هُوَ لَيْسَ بِالتَّعْلِيلِ بَلْ مَجْمُوعُ نَصَّيْ الْوَعْدِ بِالرِّزْقِ وَالْأَمْرِ بِالدَّفْعِ إلَى الْمَوْعُودِ بِهِ مِمَّا يَنْسَاقُ الذِّهْنُ مِنْهُ إلَى ذَلِكَ، فَإِنَّك إذَا سَمِعْت قول الْقَائِلِ يَا فُلَانُ مُؤْنَتُك عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ يَا فُلَانُ أَعْطِهِ مِنْ مَالِي عِنْدَك مِنْ كُلٍّ كَذَا كَذَا لَا يَكَادُ يَنْفَكُّ عَنْ فَهْمِك مِنْ مَجْمُوعِ وَعْدِ ذَاكَ وَأَمْرِ الْآخِرِ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ أَنَّ ذَلِكَ الْإِنْجَازَ الْوَعْدُ فَيَكُونُ جَوَازُ الْقِيمَةِ مَدْلُولًا الْتِزَامِيًّا لِمَجْمُوعِ مَعْنَى النَّصَّيْنِ لِانْتِقَالِ الذِّهْنِ عِنْدَ سَمَاعِهِمَا مِنْ مَعْنَاهُمَا إلَى ذَلِكَ فَيَكُونُ مَدْلُولًا لَا تَعْلِيلًا، عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ تَعْلِيلًا لَمْ يَكُنْ مُبْطِلًا لِلْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ بَلْ تَوْسِعَةً لِمَحَلِّ الْحُكْمِ، فَإِنَّ الشَّاةَ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهَا بَعْدَ التَّعْلِيلِ مَحَلٌّ لِلدَّفْعِ، كَمَا أَنَّ قِيمَتَهَا مَحَلٌّ أَيْضًا وَلَيْسَ التَّعْلِيلُ حَيْثُ كَانَ إلَّا لِتَوْسِعَةِ الْمَحَلِّ. ثُمَّ قَدْ رَأَيْنَا فِي الْمَنْقول مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قولهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسلام: «وَمَنْ تَكُونُ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْجَذَعَةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ الْجَذَعَةُ وَعِنْدَهُ الْحِقَّةُ فَإِنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْهُمْ مَعَ شَاتَيْنِ إنْ اسْتَيْسَرَتَا أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا» فَانْتَقَلَ إلَى الْقِيمَةِ فِي مَوْضِعَيْنِ، فَعَلِمْنَا أَنْ لَيْسَ الْمَقْصُودُ خُصُوصَ عَيْنِ السِّنِّ الْمُعَيَّنِ وَإِلَّا لَسَقَطَ إنْ تَعَذَّرَ أَوْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَشْتَرِيَهُ فَيَدْفَعَهُ.
وَقَالَ طَاوُسٌ: قَالَ مُعَاذٌ لِأَهْلِ الْيَمَنِ: آتُونِي بِخَمِيسٍ أَوْ لَبِيسٍ مَكَانَ الذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ وَخَيْرٌ لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مُعَلَّقًا وَتَعْلِيقُهُ صَحِيحٌ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ الصُّنَابِحِ الْأَحْمَسِيِّ قال: «أَبْصَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاقَةً حَسَنَةً فِي إبِلِ الصَّدَقَةِ فَقَالَ: مَا هَذِهِ؟ قَالَ صَاحِبُ الصَّدَقَةِ: إنِّي ارْتَجَعْتُهَا بِبَعِيرَيْنِ مِنْ حَوَاشِي الْإِبِلِ، قَالَ: نَعَمْ إذًا» فَعَلِمْنَا أَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الْأَسْنَانِ الْمَخْصُوصَةِ وَالشَّاةِ لِبَيَانِ قَدْرِ الْمَالِيَّةِ وَتَخْصِيصُهَا فِي التَّعْبِيرِ لِأَنَّهَا أَسْهَلُ عَلَى أَرْبَابِ الْمَوَاشِي.
قولهُ: (وَصَارَ كَالْجِزْيَةِ) يُؤْخَذُ فِيهَا قَدْرُ الْوَاجِبِ كَمَا تُؤْخَذُ عَيْنُهُ.

متن الهداية:
(وَلَيْسَ فِي الْعَوَامِلِ وَالْحَوَامِلِ وَالْعَلُوفَةِ صَدَقَةٌ) خِلَافًا لِمَالِكٍ. لَهُ ظَوَاهِرُ النُّصُوصِ. وَلَنَا قولهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسلام: «لَيْسَ فِي الْحَوَامِلِ وَالْعَوَامِلِ وَلَا فِي الْبَقَرِ الْمُثِيرَةِ صَدَقَةٌ»، وَلِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْمَالُ النَّامِي وَدَلِيلُهُ الْإِسَامَةُ أَوْ الْإِعْدَادُ لِلتِّجَارَةِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَلِأَنَّ فِي الْعَلُوفَةِ تَتَرَاكَمُ الْمُؤْنَةُ فَيَنْعَدِمُ النَّمَاءُ مَعْنًى. ثُمَّ السَّائِمَةُ هِيَ الَّتِي تَكْتَفِي بِالرَّعْيِ فِي أَكْثَرِ الْحَوْلِ حَتَّى لَوْ عَلَفَهَا نِصْفَ الْحَوْلِ أَوْ أَكْثَرَ كَانَتْ عَلُوفَةً لِأَنَّ الْقَلِيلَ تَابِعٌ لِلْأَكْثَرِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (لِظَوَاهِرِ النُّصُوصِ) مِثْل: «فِي خَمْسِ ذَوْدٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاةٌ، وَفِي كُلِّ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ تَبِيعٌ أَوْ تَبِيعَةٌ».
قولهُ: (وَلَنَا قولهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسلام: «لَيْسَ فِي الْحَوَامِلِ» إلَخْ) غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ وَالْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ زُهَيْرٌ: وَأَحْسَبُهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قال: «هَاتُوا رُبْعَ الْعُشُورِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ شَيْءٌ حَتَّى تَتِمَّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، فَمَا زَادَ فَعَلَى حِسَابِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ عَلَى الْحَوَامِلِ شَيْءٌ» وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مَجْزُومًا لَيْسَ فِيهِ قَالَ زُهَيْرٌ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ هَذَا سَنَدٌ صَحِيحٌ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقول: هَذَا الْحَدِيثُ بَعْدَ صِحَّتِهِ يَحْتَمِلُ كَوْنُهُ مُقَارِنًا لِأَصْلِ تَشْرِيعِ الزَّكَاةِ فَيَكُونُ مُخَصَّصًا، وَيَحْتَمِلُ كَوْنُهُ مُتَأَخِّرًا فَيَكُونُ نَاسِخًا، وَيَحْتَمِلُ كَوْنُهُ مُتَقَدِّمًا فَيَكُونُ مَنْسُوخًا بِالْعَامِ عَلَى أَصْلِنَا أَعْنِي نَحْوَ قوله: «فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاةٌ» فَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى ضَبْطِ التَّارِيخِ، فَإِنْ لَمْ يُضْبَطْ انْتَصَبَ مُعَارِضًا، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ تَقَدُّمُ عُمُومُ الْإِيجَابِ لِأَنَّهُ الِاحْتِيَاطُ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْعُمُومَ لَيْسَ عَلَى صِرَافَتِهِ بِالِاتِّفَاقِ لِتَخْصِيصِ غَيْرِ السَّائِمَةِ فَيَتَرَجَّحُ حَدِيثُ الْعَوَامِلِ بِقُوَّةِ الدَّلَالَةِ حِينَئِذٍ. وَأَمَّا عَلَى أَصْلِهِمْ فَيَجِبُ تَقْدِيمُ الْخَاصِّ مُطْلَقًا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى هَذَا التَّقْرِيرِ. ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْعَوَامِلَ تَصْدُقُ عَلَى الْحَوَامِلِ وَالْمُثِيرَةِ فَالنَّفْيُ عَنْهَا نَفْيٌ عَنْهُمَا. وَقَدْ رُوِيَ فِي خُصُوصِ اسْمِ الْمُثِيرَةِ حَدِيثٌ مُضَعَّفٌ فِي الدَّارَقُطْنِيِّ «لَيْسَ فِي الْمُثِيرَةِ صَدَقَةٌ» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ.
قولهُ: (وَلِأَنَّ فِي الْعَلُوفَةِ إلَخْ) دَفْعٌ لِقول مَالِكٍ: إنَّ النَّمَاءَ فِي الْعَلُوفَةِ أَكْثَرُ فَهِيَ أَوْلَى بِشَرْعِيَّةِ الزَّكَاةِ فِيهَا، فَقَالَ لَا بَلْ يَنْعَدِمُ بِالْكُلِّيَّةِ ظَاهِرًا فَضْلًا عَنْ الْأَكْثَرِيَّةِ لِأَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي يَزِيدُ بِالسِّمَنِ لَا يَفِي بِخُرْجِ الْمُؤْنَةِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي تَظْهَرُ فِيهَا الزِّيَادَةُ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَتْ الْعَلُوفَةُ لِلتِّجَارَةِ وَجَبَ فِيهَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ، فَلَوْ انْعَدَمَ النَّمَاءُ بِالْعَلَفِ امْتَنَعَ فِيهَا. قُلْنَا: النَّمَاءُ فِي مَالِ التِّجَارَةِ بِزِيَادَةِ الْقِيمَةِ وَلَمْ تَنْحَصِرْ زِيَادَةُ ثَمَنِهَا فِي السِّمَنِ الْحَادِثِ، بَلْ قَدْ يَحْصُلُ بِالتَّأْخِيرِ مِنْ فَصْلٍ إلَى فَصْلٍ أَوْ بِالنَّقْلِ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَنْوِيَّةِ لِلتِّجَارَةِ النَّمَاءُ فِيهَا مُنْحَصِرٌ فِي السِّمَنِ فَثَبَتَ أَنَّ عَلْفَهَا لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ نَمَائِهَا، إذَا كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ وَلَا هُوَ ظَاهِرٌ فِيهِ.
قولهُ: (هِيَ الَّتِي تَكْتَفِي بِالرَّعْيِ فِي أَكْثَرِ الْحَوْلِ) اعْتَرَضَ فِي النِّهَايَةِ بِأَنَّ مُرَادَهُمْ تَفْسِيرُ السَّائِمَةِ الَّتِي فِيهَا الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ فَهُوَ تَعْرِيفٌ بِالْأَعَمِّ إذْ بَقِيَ قَيْدُ كَوْنِ ذَلِكَ لِغَرَضِ النَّسْلِ وَالدَّرِّ وَالتَّسْمِينِ، وَإِلَّا فَتَشْمَلُ الْإِسَامَةَ لِغَرَضِ الْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ وَلَيْسَ فِيهَا زَكَاةٌ. وَقَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ: يُشْتَرَطُ الرَّعْيُ فِي كُلِّ الْحَوْلِ وَفِي بَعْضِهَا إنْ عَلَفَهَا بِقَدْرِ مَا تَبِينَ فِيهِ مُؤْنَةُ عَلْفِهَا أَكْثَرُ مِمَّا لَوْ كَانَتْ سَائِمَةً فَلَا زَكَاةَ فِيهَا. قُلْنَا: لَا يَزُولُ اسْمُ السَّائِمَةِ بِالْعَلْفِ الْيَسِيرِ شَرْعًا لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَوْجَبَ عَلَى أَهْلِ دِيَارِهِمْ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهَا لَا تَكْتَفِي بِالسَّوْمِ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ إذْ لَا يُوجَدُ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ فِي دِيَارِهِمْ بَلْ وَلَا غَيْرِهَا مَا تَكْتَفِي بِهِ، وَلَوْ وُجِدَ فِي غَيْرِهَا لَمْ يُمْكِنْهُمْ ذَلِكَ فِي زَمَنِ شِدَّةِ الْبَرْدِ وَالثَّلْجِ وَالْأَمْطَارِ الْمُسْتَمِرَّةِ، فَلَوْ اُعْتُبِرَ انْتَفَتْ الزَّكَاةُ، فَعُلِمَ أَنَّ الْعَلَفَ الْيَسِيرَ لَا يَزُولُ بِهِ اسْمُ السَّوْمِ الْمُسْتَلْزِمِ لِلْحُكْمِ. وَإِذَا كَانَ مُقَابِلُهُ كَثِيرًا بِالنِّسْبَةِ كَانَ هُوَ يَسِيرًا، وَالنِّصْفُ لَيْسَ بِالنِّسْبَةِ إلَى النِّصْفِ كَثِيرًا، فَلَوْ أَسَامَهَا نِصْفَ الْحَوْلِ لَا زَكَاةَ فِيهَا وَلِأَنَّهُ يَقَعُ الشَّكُّ فِي ثُبُوتِ سَبَبِ الْإِيجَابِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ التَّعْلِيلِ بِالتَّبَعِيَّةِ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ تَعْلِيلُ قولهِ أَوْ أَكْثَرُ، وَمَا ذَكَرْنَا يَعُمُّهُ مَعَ نِصْفِ الْحَوْلِ.

متن الهداية:
(وَلَا يَأْخُذُ الْمُصَدِّقُ خِيَارَ الْمَالِ وَلَا رَذَالَتَهُ وَيَأْخُذُ الْوَسَطَ) لِقولهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسلام: «لَا تَأْخُذُوا مِنْ حَزَرَاتِ أَمْوَالِ النَّاسِ» أَيْ كَرَائِمَهَا «وَخُذُوا مِنْ حَوَاشِي أَمْوَالِهِمْ» أَيْ أَوْسَاطَهَا وَلِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (لِقولهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسلام: «لَا تَأْخُذُوا مِنْ حَزَرَاتِ أَمْوَالِ النَّاسِ شَيْئًا» إلَخْ) هُوَ بِالْفَتَحَاتِ جَمْعُ حَزْرَةٍ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَقْدِيمِ الزَّايِ الْمَنْقُوطَةِ عَلَى الرَّاءِ فِي اللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ. وَحَرَزَةُ الْمَالِ خِيَارُهُ فِي دِيوَانِ الْأَدَبِ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ كَأَنَّهُ الشَّيْءُ الْمَحْبُوبُ لِلنَّفْسِ. أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِمُصَدِّقِه: «لَا تَأْخُذْ مِنْ حَزَرَاتِ أَمْوَالِ النَّاسِ شَيْئًا، خُذْ الشَّارِفَ وَالْبِكْرَ وَذَاتَ الْعَيْبِ» وَفِي مُوَطَّإِ مَالِكٍ: مَرَّ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِغَنَمِ الصَّدَقَةِ فَرَأَى فِيهَا شَاةً حَافِلًا ذَاتَ ضَرْعٍ عَظِيمٍ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا هَذِهِ الشَّاةُ؟ فَقَالُوا: شَاةٌ مِنْ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَعْطَى هَذِهِ أَهْلُهَا وَهُمْ طَائِعُونَ، لَا تَفْتِنُوا النَّاسَ لَا تَأْخُذُوا حَزَرَاتِ الْمُسْلِمِينَ.
وَفِي الْبَابِ حَدِيثُ مُعَاذٌ الصَّحِيحِ حَيْثُ قَالَ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسلام: «إيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ» وَهَذِهِ الْأَدِلَّةُ تَقْتَضِي أَنْ لَا يَجِبَ فِي الْأَخْذِ مِنْ الْعِجَافِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا وَسَطٌ اعْتِبَارُ أَعْلَاهَا وَأَفْضَلِهَا وَقَدَّمْنَا عَنْهُمْ خِلَافَهُ فِي صَدَقَةِ السَّوَائِمِ.

متن الهداية:
قَالَ: (وَمَنْ كَانَ لَهُ نِصَابٌ فَاسْتَفَادَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ مِنْ جِنْسِهِ ضَمَّهُ إلَيْهِ وَزَكَّاهُ بِهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَضُمُّ لِأَنَّهُ أَصْلٌ فِي حَقِّ الْمِلْكِ فَكَذَا فِي وَظِيفَتِهِ، بِخِلَافِ الْأَوْلَادِ وَالْأَرْبَاحِ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ فِي الْمِلْكِ حَتَّى مُلِكَتْ بِمِلْكِ الْأَصْلِ. وَلَنَا أَنَّ الْمُجَانَسَةَ هِيَ الْعِلَّةُ فِي الْأَوْلَادِ وَالْأَرْبَاحِ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا يَتَعَسَّرُ الْمَيْزُ فَيَعْسُرُ اعْتِبَارُ الْحَوْلِ لِكُلِّ مُسْتَفَادٍ، وَمَا شَرْطُ الْحَوْلِ إلَّا لِلتَّيْسِيرِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (فَاسْتَفَادَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ مِنْ جِنْسِهِ) بِمِيرَاثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ شِرَاءٍ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَضُمُّ بَلْ يُعْتَبَرُ فِيهِ حَوْلٌ عَلَى حِدَتِهِ، فَإِذَا تَمَّ الْحَوْلُ زَكَّاهُ سَوَاءٌ كَانَ نِصَابًا أَوْ أَقَلَّ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ نِصَابٌ مِنْ جِنْسِهِ لِقولهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسلام: «مَنْ اسْتَفَادَ مَالًا فَلَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» وَقولهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسلام: «لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ»، بِخِلَافِ الْأَوْلَادِ وَالْأَرْبَاحِ لِأَنَّهَا مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ الْأَصْلِ نَفْسِهِ فَيَنْسَحِبُ حَوْلُهُ عَلَيْهَا وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ. قُلْنَا: لَوْ قَدَّرَ تَسْلِيمَ ثُبُوتِهِ فَعُمُومُهُ لَيْسَ مُرَادًا لِلِاتِّفَاقِ عَلَى خُرُوجِ الْأَوْلَادِ وَالْأَرْبَاحِ، وَدَلِيلُ الْخُصُوصِ مِمَّا يُعَلَّلُ وَيَخْرُجُ بِالتَّعْلِيلِ ثَانِيًا فَعَلَّلْنَا بِالْمُجَانَسَةِ فَقُلْنَا: إخْرَاجُ الْأَوْلَادِ وَالْأَرْبَاحِ مِنْ ذَلِكَ وَوُجُوبُ ضَمِّهَا إلَى حَوْلِ الْأَصْلِ لِمُجَانَسَتِهَا إيَّاهُ لَا لِلتَّوَلُّدِ، فَيَجِبُ أَنْ يَخْرُجَ الْمُسْتَفَادُ إذَا كَانَ مُجَانِسًا أَيْضًا فَيُضَمُّ إلَى مَا عِنْدَهُ مِمَّا يُجَانِسُهُ، وَكَانَ اعْتِبَارُنَا أَوْلَى لِأَنَّهُ أَدْفَعُ لِلْحَرَجِ اللَّازِمِ عَلَى تَقْدِيرِ قولهِ فِي أَصْحَابِ الْغَلَّةِ الَّذِينَ يَسْتَغِلُّونَ كُلَّ يَوْمٍ دِرْهَمًا وَأَقَلَّ وَأَكْثَرَ فَإِنَّ فِي اعْتِبَارِ الْحَوْلِ لِكُلِّ مُسْتَفَادٍ مِنْ دِرْهَمٍ وَنَحْوِهِ حَرَجًا عَظِيمًا، وَشُرِعَ الْحَوْلُ لِلتَّيْسِيرِ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ، وَلَوْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِإِبْطَالِ اعْتِبَارِهِ جَازَ تَعْلِيلُ الْأَصْلِ بِعِلَّتَيْنِ، وَإِحْدَاهُمَا تَقْتَضِي مَا قُلْنَا، وَالْأُخْرَى أَعْنِي عِلَّتَهُ قَاصِرَةٌ عَلَى الْأَصْلِ: أَعْنِي الْأَوْلَادَ وَالْأَرْبَاحَ، وَعَلَى هَذَا لَا حَاجَةَ إلَى جَعْلِ اللَّامِ فِي الْحَوْلِ لِلْحَوْلِ الْمَعْهُودِ قِيَامُهُ لِلْأَصْلِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ، بَلْ يَكُونُ لِلْمَعْهُودِ كَوْنُهُ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ، غَيْرَ أَنَّهُ خَصَّ مِنْهُ مَا ذَكَرْنَا، وَهَذَا لِأَنَّهُ يَعُمُّ الْمُسْتَفَادَ ابْتِدَاءً وَهُوَ النِّصَابُ الْأَصْلِيُّ: أَعْنِي أَوَّلَ مَا اسْتَفَادَهُ وَغَيْرَهُ، وَالتَّخْصِيصُ وَقَعَ فِي غَيْرِهِ وَهُوَ الْمُجَانِسُ وَبَقِيَ تَحْتَ الْعُمُومِ الْأَصْلِيِّ وَاَلَّذِي لَمْ يُجَانِسْ وَلَا يُصَدِّقْ فِي الْأَصْلِيِّ إلَّا إذَا كَانَ الْحَوْلُ مُرَادًا بِهِ الْمَعْهُودَ الْمُقَدَّرَ.
فَرْعٌ:
لَا يَضُمُّ إلَى النَّقْدَيْنِ ثَمَنَ إبِلٍ مُزَكَّاةٍ بِأَنْ كَانَ لَهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَمِائَتَا دِرْهَمٍ، فَزَكَّى الْإِبِلَ بَعْدَ الْحَوْلِ ثُمَّ بَاعَهَا فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ الْآخَرِ بِدَرَاهِمَ لَا يَضُمُّهَا إلَى مَا عِنْدَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَا يَضُمُّهَا لِوُجُودِ عِلَّةِ الضَّمِّ وَهِيَ الْمُجَانَسَةُ. وَلَهُ أَنَّهُ بَدَلُ مَالِ الزَّكَاةِ، وَلِلْبَدَلِ حُكْمُ الْمُبْدَلِ، فَلَوْ ضَمَّ لَأَدَّى إلَى الثَّنِيِّ. وَاتَّفَقُوا عَلَى ضَمِّ ثَمَنِ طَعَامٍ أَدَّى عُشْرَهُ ثُمَّ بَاعَهُ وَثَمَنَ أَرْضٍ مَعْشُورَةٍ وَثَمَنَ عَبْدٍ أَدَّى صَدَقَةَ فِطْرِهِ، أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلِأَنَّ الْبَدَلَ لَيْسَ بَدَلًا لِمَالِ الزَّكَاةِ لِأَنَّ الْعُشْرَ لَا يَجِبُ بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ وَلِهَذَا يَجِبُ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ وَالْمُكَاتَبِ، وَالْفِطْرَةِ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِيَّةِ وَلِهَذَا تَجِبُ عَنْ وَلَدِهِ، وَكَذَا لَوْ بَاعَهَا بِعَبْدٍ لِلتِّجَارَةِ وَعِنْدَهُ أَلْفٌ لَا يَضُمُّ عِنْدَهُ. وَلَوْ نَوَى الْخِدْمَةَ ثُمَّ بَاعَهُ قِيلَ يَضُمُّ لِأَنَّهُ بِنِيَّةِ الْخِدْمَةِ خَرَجَ عَنْ مَالِ الزَّكَاةِ فَلَمْ يَكُنْ بَدَّلَهُ بَدَلَ مَالِ الزَّكَاةِ لِيُؤَدِّيَ إلَى الثَّنِيِّ، وَلَوْ كَانَ لَهُ نِصَابَانِ نَقْدَانِ مِمَّا لَمْ يَجِبْ ضَمَّ أَحَدَهُمَا إلَى الْآخَرِ كَثَمَنِ إبِلٍ أَدَّى زَكَاتَهَا وَنِصَابِ آخَرَ ثُمَّ وُهِبَ لَهُ أَلْفٌ ضُمَّتْ إلَى أَقْرَبِهِمَا حَوْلًا مِنْ حِينِ الْهِبَةِ نَظَرًا لِلْفُقَرَاءِ. وَلَوْ رَبِحَ فِي أَحَدِهِمَا أَوْ وَلَدَ أَحَدُهُمَا ضَمَّ إلَى أَصْلِهِ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ بِالذَّاتِ أَقْوَى مِنْهُ بِالْحَالِ.

متن الهداية:
قَالَ: (وَالزَّكَاةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فِي النِّصَابِ دُونَ الْعَفْوِ) وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ فِيهِمَا: حَتَّى لَوْ هَلَكَ الْعَفْوُ وَبَقِيَ النِّصَابُ بَقِيَ كُلُّ الْوَاجِبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ يَسْقُطُ بِقَدْرِهِ. لِمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ أَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ شُكْرًا لِنِعْمَةِ الْمَالِ وَالْكُلُّ نِعْمَةٌ. وَلَهُمَا قولهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسلام: «فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ شَاةٌ وَلَيْسَ فِي الزِّيَادَةِ شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ عَشْرًا» وَهَكَذَا قَالَ فِي كُلِّ نِصَابٍ، وَنَفَى الْوُجُوبَ عَنْ الْعَفْوِ، وَلِأَنَّ الْعَفْوَ تَبَعٌ لِلنِّصَابِ، فَيُصْرَفُ الْهَلَاكُ أَوَّلًا إلَى التَّبَعِ كَالرِّبْحِ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُصْرَفُ الْهَلَاكُ بَعْدَ الْعَفْوِ إلَى النِّصَابِ الْأَخِيرِ ثُمَّ إلَى الَّذِي يَلِيهِ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ، لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ النِّصَابُ الْأَوَّلُ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ تَابِعٌ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُصْرَفُ إلَى الْعَفْوِ أَوَّلًا ثُمَّ إلَى النِّصَابِ شَائِعًا.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (حَتَّى لَوْ هَلَكَ الْعَفْوُ وَبَقِيَ النِّصَابُ بَقِيَ كُلُّ الْوَاجِبِ إلَخْ) بِأَنْ كَانَ لَهُ تِسْعٌ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْ الْغَنَمِ فَهَلَكَ بَعْدَ الْحَوْلِ مِنْ الْإِبِلِ أَرْبَعٌ وَمِنْ الْغَنَمِ ثَمَانُونَ لَمْ يَسْقُطْ مِنْ الزَّكَاةِ شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ يَسْقُطُ فِي الْأَوَّلِ أَرْبَعَةُ أَتْسَاعِ شَاةٍ، وَفِي الثَّانِي ثُلُثَا شَاةٍ.
قولهُ: (وَجَبَتْ شُكْرًا لِنِعْمَةِ الْمَالِ) الَّذِي يَتَحَقَّقُ بِهِ الْغِنَى وَالْكُلُّ بَعْدَ وُجُوبِ النِّصَابِ فِيهِ كَذَلِكَ فَيَكُونُ الْوُجُوبُ فِي الْكُلِّ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ أَبِي بَكْرٍ مِنْ قولهِ إذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ، وَكَذَا قَالَ فَإِذَا بَلَغَتْ وَاحِدَةً وَسِتِّينَ إلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ، وَهَكَذَا ذَكَرَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ.
وَقَالَ فِي الْغَنَمِ: إذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِيهَا شَاةٌ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ إلَى مِائَتَيْنِ فَفِيهَا شَاتَانِ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مِائَتَيْنِ إلَى ثَلَثِمِائَةٍ فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ الْحَدِيثَ. وَهَذَا يَنُصُّ عَلَى مَا قُلْنَا، وَهَكَذَا قَالَ فِي كِتَابِ عُمَرَ الْمَرْوِيِّ فِي أَبِي دَاوُد.
قولهُ: (وَلَهُمَا قولهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسلام: «فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ شَاةٌ، وَلَيْسَ فِي الزِّيَادَةِ شَيْءٌ حَتَّى بَلَغَ عَشْرًا» إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا يَقْوَى قُوَّةَ حَدِيثِيهِمَا فِي الثُّبُوتِ إنْ ثَبَتَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ. وَإِنَّمَا نَسَبَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ إلَى رِوَايَةِ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَأَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ فِي كِتَابَيْهِمَا، فَقول مُحَمَّدٍ أَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ، وَلِأَنَّ جَعْلَ الْهَالِكِ غَيْرَ النِّصَابِ تَحَكُّمٌ لِأَنَّ النِّصَابَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ فِي الْكُلِّ فَيَجْعَلَ الْوُجُوبَ مُتَعَلِّقًا بِفِعْلِ الْإِخْرَاجِ مِنْ الْكُلِّ ضَرُورَةَ عَدَمِ تَعَيُّنِ بَعْضِهَا لِذَلِكَ، وَقولهُمْ إنَّهُ يُسَمَّى عَفْوًا فِي الشَّرْعِ يَتَضَاءَلُ عَنْ مُعَارَضَةِ النَّصِّ الصَّحِيحِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ.
قولهُ: (وَلِذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَخْ) مِثَالُهُ: إذَا كَانَ لَهُ أَرْبَعُونَ مِنْ الْإِبِلِ فَهَلَكَ مِنْهَا عِشْرُونَ بَعْدَ الْحَوْلِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَجِبُ أَرْبَعُ شِيَاهٍ كَأَنَّ الْحَوْلَ حَالَ عَلَى عِشْرِينَ فَقَطْ جَعْلًا لِلْهَالِكِ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجِبُ نِصْفُ بِنْتِ لَبُونٍ وَيَسْقُطُ النِّصْفُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجِبُ عِشْرُونَ جُزْءًا مِنْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ جُزْءًا مِنْ بِنْتِ لَبُونٍ وَيَسْقُطُ سِتَّةَ عَشَرَ جُزْءًا لِأَنَّ الْأَرْبَعَةَ مِنْ الْأَرْبَعِينَ عَفْوٌ فَيُصْرَفُ الْهَلَاكُ إلَيْهَا وَبَقِيَ الْوَاجِبُ فِي سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ فَيَبْقَى الْوَاجِبُ بِقَدْرِ الْبَاقِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ كَانَ لَهُ ثَمَانُونَ شَاةً فَهَلَكَ نِصْفُهَا بَعْدَ الْحَوْلِ تَجِبُ شَاةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ نِصْفُ شَاةٍ. وَلَوْ كَانَ لَهُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ فَهَلَكَ ثَمَانُونَ تَجِبُ شَاةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ ثُلُثُ شَاةٍ. وَلَوْ كَانَتْ مِائَةً وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ فَهَلَكَ إحْدَى وَثَمَانُونَ تَجِبُ شَاةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ أَرْبَعُونَ جُزْءًا مِنْ مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ شَاتَيْنِ، فَلَوْ كُنَّ مِائَتَيْنِ وَوَاحِدَةً عِجَافًا إلَّا وَاحِدَةً وَسَطًا تَجِبُ الْوَسَطُ وَثِنْتَانِ مِنْ أَفْضَلِهَا، فَإِنْ هَلَكَتْ الْوَسَطُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَجِبُ عَجْفَاوَانِ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا مِائَتَانِ عِجَافٌ، وَعِنْدَهُمَا سَقَطَ الْفَضْلُ بِهَلَاكِ الْوَسَطِ وَجُعِلَ كَأَنَّ الْكُلَّ عِجَافٌ فَكَانَ الْوَاجِبُ ثَلَاثًا عِجَافًا، فَإِذَا هَلَكَ وَاحِدَةٌ سَقَطَ مِنْ كُلِّ شَاةٍ مِنْ الثَّلَاثِ جُزْءٌ مِنْ مِائَتَيْ جُزْءٍ وَجُزْءٍ وَيَبْقَى مِنْ كُلِّ شَاةٍ عَجْفَاءَ مِائَتَا جُزْءٍ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا يُصْرَفُ الْهَلَاكُ إلَى النُّصُبِ شَائِعًا، وَلَوْ هَلَكَ الْكُلُّ إلَّا الْوَسَطَ يَجِبُ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ شَاةٍ وَسَطٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا أَرْبَعُونَ هَلَكَ الْكُلُّ إلَّا وَاحِدَةٌ وَسَطٌ، وَعِنْدَهُمَا ثَلَاثَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ مِائَتَيْ جُزْءٍ مِنْ ثَلَاثِ شِيَاهٍ جُزْءٌ مِنْ السَّمِينَةِ وَجُزْءَانِ مِنْ الْعَجْفَاوَيْنِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي كُلِّ شَاةٍ جُزْءٌ. وَلَوْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً عِشْرُونَ سِمَانٌ أَوْ أَوْسَاطٌ وَعِشْرُونَ عِجَافٌ هَلَكَتْ وَاحِدَةٌ مِنْ السِّمَانِ بَعْدَ الْحَوْلِ يَبْقَى تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ جُزْءًا مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ شَاةٍ وَسَطٍ لِأَنَّ الْفَضْلَ فِيمَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدَةِ عَفْوٌ فَصَارَ كَأَنَّ الْكُلَّ سِمَانٌ وَهَلَكَ مِنْهَا وَاحِدَةٌ. وَكَذَلِكَ لَوْ هَلَكَتْ عَشَرَةٌ مِنْ السِّمَانِ يَبْقَى ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ شَاةٍ وَسَطٍ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَبْقَى نِصْفُ شَاةٍ وَسَطٍ وَرُبْعُ شَاةٍ عَجْفَاءَ لِأَنَّ الْوَاجِبَ شَائِعٌ فِي الْمَالِ وَكَانَ نِصْفُ السَّمِينَةِ فِي عَشْرٍ مِنْ السِّمَانِ وَعَشْرٍ مِنْ الْعِجَافِ وَذَلِكَ النِّصْفُ لَمْ يَتَغَيَّرْ فَبَقِيَ الْوَاجِبُ فِيهِ كَمَا كَانَ بَاقِيًا، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ فِي عَشْرٍ سِمَانٍ وَعَشْرٍ عِجَافٍ ذَهَبَتْ سِمَانُهُ وَبَقِيَتْ عِجَافُهُ فَكَانَ فَضْلُ السِّمَنِ فِي عِجَافِ هَذَا النِّصْفِ بِسَبَبِ سِمَانُ هَذَا النِّصْفِ فَيَبْطُلُ بِهَلَاكِ السِّمَانِ فَبَقِيَ رُبْعُ شَاةٍ عَجْفَاءَ، وَإِنْ هَلَكَتْ سَمِينَةٌ وَاحِدَةٌ يَضُمُّ إلَى مَا بَقِيَ مِنْ السِّمَانِ مِثْلَهَا مِنْ الْعِجَافِ، وَذَلِكَ تِسْعَ عَشْرَةَ فَتَصِيرُ ثَمَانِيَةً وَثَلَاثِينَ فَيَجِبُ فِيهَا ثَمَانِيَةٌ وَثَلَاثُونَ جُزْءًا مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ سَمِينَةٍ، وَفِي الْعَجْفَاءِ الْبَاقِيَةِ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ شَاةٍ عَجْفَاءَ لِأَنَّ فَضْلَ السِّمَنِ فِيهَا كَانَ بِسَبَبِ السَّمِينَةِ الَّتِي هَلَكَتْ فَتَبْطُلُ بِهَلَاكِهَا. رَجُلٌ لَهُ خَمْسُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ عِجَافٍ إلَّا وَاحِدَةٌ سَمِينَةٌ تَعْدِلُ خَمْسِينَ دِرْهَمًا وَقِيمَةُ الْبَاقِي عَشَرَةٌ عَشَرَةٌ، وَقِيمَةُ الْحِقَّةِ الْوَسَطِ مِائَةٌ تَجِبُ حِقَّةٌ تُسَاوِي سِتِّينَ دِرْهَمًا لِأَنَّهَا كَثِنْتَيْنِ مِنْ أَفْضَلِهَا، لِأَنَّ زَكَاتَهَا تَعْدِلُ بِنْتَيْ مَخَاضٍ وَسَطَيْنِ لَوْ كَانَ فِيهَا بِنْتَا مَخَاضٍ وَسَطَانِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ إلَّا وَاحِدَةٌ وَسَطٌ وَجَبَ حِقَّةٌ تَعْدِلُ هَذِهِ الْوَاحِدَةَ وَوَاحِدَةَ مِنْ أَفْضَلِ الْبَاقِي، فَلَوْ هَلَكَتْ السَّمِينَةُ تَجِبُ حِقَّةٌ تَعْدِلُ بِنْتَيْ مَخَاضٍ عَجْفَاوَيْنِ لِأَنَّ الْمَالَ اشْتَمَلَ عَلَى النِّصَابِ وَالْعَفْوِ، لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ عَفْوٌ فَيُصْرَفُ الْهَلَاكُ إلَيْهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ إلَّا تِسْعَةً وَأَرْبَعِينَ بِنْتَ مَخَاضٍ عِجَافًا وَهُنَاكَ تَجِبُ حِقَّةٌ تَعْدِلُ بِنْتَيْ مَخَاضٍ عَجْفَاوَيْنِ مِنْ أَفْضَلِهِنَّ فَيَجِبُ هُنَا حِقَّةٌ تُسَاوِي عِشْرِينَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَسْقُطُ جُزْءٌ مِنْ خَمْسِينَ جُزْءًا مِنْ الْحِقَّةِ الْوَاجِبَةِ وَهِيَ الَّتِي تُسَاوِي بِنْتَيْ مَخَاضٍ عَجْفَاوَيْنِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ عِنْدَهُ فِي الْكُلِّ وَفَضْلُ السِّمَنِ كَانَ بِاعْتِبَارِ السَّمِينَةِ فَإِذَا هَلَكَتْ هَلَكَتْ بِزَكَاتِهَا وَبَقِيَ الْبَاقِي. وَلَوْ هَلَكَ الْكُلُّ وَبَقِيَتْ السَّمِينَةُ فَفِيهَا خُمْسُ شَاةٍ وَسَطٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْهَلَاكَ عِنْدَهُ يُصْرَفُ إلَى النُّصُبِ الزَّائِدَةِ فَكَأَنَّ الْحَوْلَ حَالَ عَلَى خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ ثُمَّ هَلَكَ الْكُلُّ إلَّا الْوَاحِدَةَ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجِبُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ الْحِقَّةِ الَّتِي تُسَاوِي سِتِّينَ، لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ عَفْوٌ فَكَأَنَّ الْحَوْلَ حَالَ عَلَى سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ فِيهَا جُزْءٌ مِنْ خَمْسِينَ جُزْءًا مِنْ تِلْكَ الْحِقَّةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

متن الهداية:
(وَإِذَا أَخَذَ الْخَوَارِجُ الْخَرَاجَ وَصَدَقَةَ السَّوَائِمِ لَا يُثَنِّي عَلَيْهِمْ) لِأَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَحْمِهِمْ وَالْجِبَايَةُ بِالْحِمَايَةِ، وَأَفْتَوْا بِأَنْ يُعِيدُوهَا دُونَ الْخَرَاجِ لِأَنَّهُمْ مَصَارِفُ الْخَرَاجِ لِكَوْنِهِمْ مُقَاتِلَةً، وَالزَّكَاةُ مَصْرِفُهَا الْفُقَرَاءُ وَهُمْ لَا يَصْرِفُونَهَا إلَيْهِمْ. وَقِيلَ إذَا نَوَى بِالدَّفْعِ التَّصَدُّقَ عَلَيْهِمْ سَقَطَ عَنْهُ، وَكَذَا الدَّفْعُ إلَى كُلٍّ جَائِرٌ لِأَنَّهُمْ بِمَا عَلَيْهِمْ مِنْ التَّبِعَاتِ فُقَرَاءُ، وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (لِكَوْنِهِمْ مُقَاتِلَةٌ) لِأَنَّهُمْ يُقَاتِلُونَ أَهْلَ الْحَرْبِ.
قولهُ: (وَلَا يَصْرِفُونَهَا) أَيْ لَا يَصْرِفُهَا الْخَوَارِجُ إلَى الْفُقَرَاءِ.
قولهُ: (وَكَذَا الدَّفْعُ إلَى كُلٍّ جَائِرٌ) قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَمَا يَأْخُذُهُ ظَلَمَةُ زَمَانِنَا مِنْ الصَّدَقَاتِ وَالْعُشُورِ وَالْجَزَاءِ وَالْخَرَاجِ وَالْجِبَايَاتِ وَالْمُصَادَرَاتِ فَالْأَصَحُّ أَنْ يَسْقُطَ جَمِيعُ ذَلِكَ عَنْ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ إذَا نَوَوْا عِنْدَ الدَّفْعِ التَّصَدُّقَ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ مَا فِي أَيْدِيهِمْ أَمْوَالُ الْمُسْلِمِينَ وَمَا عَلَيْهِمْ مِنْ التَّبِعَاتِ فَوْقَ أَمْوَالِهِمْ، فَلَوْ رَدُّوا مَا عَلَيْهِمْ لَمْ يَبْقَ فِي أَيْدِيهِمْ شَيْءٌ فَكَانُوا فُقَرَاءَ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ: يَجُوزُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ لِعَلِيِّ بْنِ عِيسَى بْنِ مَاهَانَ وَالِي خُرَاسَانَ وَكَانَ أَمِيرًا بِبَلْخٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فَسَأَلَ فَأَفْتَوْهُ بِالصِّيَامِ، فَجَعَلَ يَبْكِي وَيَقول لِحَشَمِهِ: إنَّهُمْ يَقولونَ لِي مَا عَلَيْك مِنْ التَّبِعَاتِ فَوْقَ مَا لَك مِنْ الْمَالِ فَكَفَّارَتُك كَفَّارَةُ يَمِينِ مَنْ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا. وَعَلَى هَذَا لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِلْفُقَرَاءِ فَدُفِعَ إلَى السُّلْطَانِ الْجَائِرِ سَقَطَ. ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَعَلَى هَذَا فَإِنْكَارُهُمْ عَلَى يَحْيَى بْنِ يَحْيَى تِلْمِيذِ مَالِكٍ حَيْثُ أَفْتَى بَعْضَ مُلُوكِ الْمَغَارِبَةِ فِي كَفَّارَةٍ بِالصَّوْمِ غَيْرُ لَازِمٍ، وَتَعْلِيلُهُمْ بِأَنَّهُ اعْتِبَارٌ لِلْمُنَاسِبِ الْمَعْلُومِ الْإِلْغَاءِ غَيْرُ لَازِمٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِلِاعْتِبَارِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ فَقْرِهِمْ لَا لِكَوْنِهِ أَشَقَّ عَلَيْهِمْ مِنْ الْإِعْتَاقِ لِيَكُونَ هُوَ الْمُنَاسِبَ الْمَعْلُومَ الْإِلْغَاءِ وَكَوْنُهُمْ لَهُمْ مَالٌ وَمَا أَخَذُوهُ خَلَطُوهُ بِهِ وَذَلِكَ اسْتِهْلَاكٌ إذَا كَانَ لَا يُمْكِنُ تَمْيِيزُهُ عَنْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَمْلِكُهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ حَتَّى قَالُوا تَجِبُ عَلَيْهِمْ فِيهِ الزَّكَاةُ وَيُورَثُ عَنْهُمْ غَيْرُ ضَائِرٍ لِاشْتِغَالِ ذِمَّتِهِمْ بِمِثْلِهِ، وَالْمَدْيُونُ بِقَدْرِ مَا فِي يَدِهِ فَقِيرٌ.
قولهُ: (وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ) أَيْ الْإِفْتَاءُ بِالْإِعَادَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ عِلْمَ مَنْ يَأْخُذُ لِمَا يَأْخُذُ شَرْطٌ، وَهَذَا يَقْتَضِي التَّعْمِيمَ فِي الْإِعَادَةِ لِلْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ سِوَى الْخَرَاجِ. وَقَدْ لَا يُبْتَنَى عَلَى ذَلِكَ بَلْ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ شَرْعِيَّةِ الزَّكَاةِ سَدُّ خُلَّةِ الْمُحْتَاجِ عَلَى مَا مَرَّ وَذَلِكَ يَفُوتُ بِالدَّفْعِ إلَى هَؤُلَاءِ.
وَقَالَ الشَّهِيدُ: هَذَا يَعْنِي السُّقُوطَ فِي صَدَقَاتِ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ، أَمَّا إذَا صَادَرَهُ فَنَوَى عِنْدَ الدَّفْعِ أَدَاءَ الزَّكَاةِ إلَيْهِ. فَعَلَى قول طَائِفَةٍ يَجُوزُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلطَّالِبِ وِلَايَةُ أَخْذِ زَكَاةِ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ.

متن الهداية:
(وَلَيْسَ عَلَى الصَّبِيِّ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ فِي سَائِمَتِهِ شَيْءٌ وَعَلَى الْمَرْأَةِ مِنْهُمْ مَا عَلَى الرَّجُلِ) لِأَنَّ الصُّلْحَ قَدْ جَرَى عَلَى ضِعْفِ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَيُؤْخَذُ مِنْ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ دُونَ صِبْيَانِهِمْ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (لِأَنَّ الصُّلْحَ قَدْ جَرَى إلَخْ) بَنُو تَغْلِبَ عَرَبٌ نَصَارَى هَمَّ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يَضْرِبَ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ فَأَبَوْا وَقَالُوا: نَحْنُ عَرَبٌ لَا نُؤَدِّي مَا يُؤَدِّي الْعَجَمُ، وَلَكِنْ خُذْ مِنَّا مَا يَأْخُذُ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ: يَعْنُونَ الصَّدَقَةَ، فَقَالَ عُمَرُ: لَا، هَذِهِ فَرْضُ الْمُسْلِمِينَ؛ فَقَالُوا: فَزِدْ مَا شِئْت بِهَذَا الِاسْمِ لَا بِاسْمِ الْجِزْيَةِ فَعَلَ، فَتَرَاضَى هُوَ وَهُمْ عَلَى أَنْ يُضَعِّفَ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةَ، وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ: هِيَ جِزْيَةٌ سَمُّوهَا مَا شِئْتُمْ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَلَا يَمْنَعُوا أَحَدًا أَنْ يُسْلِمَ وَلَا يَغْمِسُوا أَوْلَادَهُمْ.
وَفِي رِوَايَةِ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ: هَمَّ يَعْنِي عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ فَنَفَرُوا فِي الْبِلَادِ، فَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ زُرْعَةَ أَوْ زُرْعَةُ بْنُ النُّعْمَانِ لِعُمَرَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ بَنِي تَغْلِبَ قَوْمٌ عَرَبٌ يَأْنَفُونَ مِنْ الْجِزْيَةِ وَلَيْسَتْ لَهُمْ أَمْوَالٌ، إنَّمَا هُمْ أَصْحَابُ حُرُوثٍ وَمَوَاشِي وَلَهُمْ نِكَايَةٌ فِي الْعَدُوِّ فَلَا تُعِنْ عَدُوَّك عَلَيْك بِهِمْ، قَالَ: فَصَالَحَهُمْ عُمَرُ عَلَى أَنْ يُضَعِّفَ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةَ، وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يُنَصِّرُوا أَوْلَادَهُمْ. هَذَا وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمَرْأَةِ شَيْءٌ وَهُوَ قول زُفَرَ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ بَدَلُ الْجِزْيَةِ، بَلْ قَدْ اعْتَبَرَهَا عُمَرُ نَفْسَ الْجِزْيَةِ حَيْثُ قَالَ: هِيَ جِزْيَةٌ سَمُّوهَا مَا شِئْتُمْ وَلَا جِزْيَةَ عَلَى الْمَرْأَةِ فَلَا يَلْزَمُهَا بَدَلُهَا وَهُوَ الْقِيَاسُ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ اللَّازِمَ فِي الْأَصْلِ كَانَ الْجِزْيَةَ، فَلَمَّا وَقَعَ التَّرَاضِي بِإِسْقَاطِهَا بِمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِ مُضَاعَفًا صَارَ اللَّازِمُ عَيْنَ مَا صُيِّرَ إلَيْهِ فَوَجَبَ شُمُولُهُ النِّسَاءَ لِأَنَّهُمْ رَضُوا فِي إسْقَاطِ ذَلِكَ بِذَلِكَ ظَاهِرًا.

متن الهداية:
(وَإِنْ هَلَكَ الْمَالُ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَضْمَنُ إذَا هَلَكَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَدَاءِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الذِّمَّةِ فَصَارَ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَلِأَنَّهُ مَنَعَهُ بَعْدَ الطَّلَبِ فَصَارَ كَالِاسْتِهْلَاكِ. وَلَنَا أَنَّ الْوَاجِبَ جُزْءٌ مِنْ النِّصَابِ تَحْقِيقًا لِلتَّيْسِيرِ فَيَسْقُطُ بِهَلَاكِ مَحَلِّهِ كَدَفْعِ الْعَبْدِ بِالْجِنَايَةِ يَسْقُطُ بِهَلَاكِهِ وَالْمُسْتَحِقُّ فَقِيرٌ يُعِينُهُ الْمَالِكُ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُ الطَّلَبُ، وَبَعْدَ طَلَبِ السَّاعِي قِيلَ يَضْمَنُ وَقِيلَ لَا يَضْمَنُ لِانْعِدَامِ التَّفْوِيتِ، وَفِي الِاسْتِهْلَاكِ وُجِدَ التَّعَدِّي، وَفِي هَلَاكِ الْبَعْضِ يَسْقُطُ بِقَدْرِهِ اعْتِبَارًا لَهُ بِالْكُلِّ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَإِنْ هَلَكَ الْمَالُ) يَعْنِي حَالَ الْحَوْلُ فَفَرَّطَ فِي الْأَدَاءِ حَتَّى هَلَكَ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ: أَعْنِي مِنْ غَيْرِ اسْتِهْلَاكٍ مِنْهُ.
قولهُ: (بَعْدَ التَّمَكُّنِ) بِأَنْ طَلَبَ الْمُسْتَحِقُّ أَوْ وَجَدَ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ.
قولهُ: (وَلِأَنَّهُ مَنَعَهُ بَعْدَ الطَّلَبِ) أَيْ طَلَبَ الْفَقِيرِ إذَا فَرَضَ ذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ جَعَلَهُ الشَّرْعُ مُطَالِبًا لِنَفْسِهِ نِيَابَةً عَنْهُ، أَوْ هُوَ مُطَالَبٌ بِالْأَدَاءِ عَلَى الْفَوْرِ، فَإِذَا تَمَكَّنَ وَلَمْ يُؤَدِّ صَارَ مُتَعَدِّيًا فَيَضْمَنُ كَمَا لَوْ اسْتَهْلَكَ النِّصَابَ وَكَالْمُودَعِ إذَا طُولِبَ بِرَدِّ الْوَدِيعَةِ فَلَمْ يَرُدَّهَا حَتَّى هَلَكَتْ.
قولهُ: (وَلَنَا) الْحَاصِلُ أَنَّ الْوَاجِبَ تَمْلِيكُ شَطْرٍ مِنْ النِّصَابِ ابْتِدَاءً، وَمَنْ أُمِرَ بِتَمْلِيكِ مَالٍ مَخْصُوصٍ كَمَنْ قِيلَ لَهُ تَصَدَّقْ بِمَا لِي عِنْدَك فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى هَلَكَ لَيْسَ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ وَلَا إقَامَةُ مَالٍ آخَرَ مَقَامَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْ عَلَى مُسْتَحِقٍّ يَدًا وَلَا مِلْكًا لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ فَقِيرٌ بِعَيْنِهِ لَا فَقِيرٌ يَطْلُبُ بِنَفْسِهِ، وَفِي الِاسْتِهْلَاكِ وُجِدَ التَّعَدِّي بِخِلَافِ مُجَرَّدِ التَّأْخِيرِ لِأَنَّهُ غَيْرُ جَانٍ فِيهِ لِأَنَّ الصِّيغَةَ الْمُطْلَقَةَ تُجَوِّزُ التَّرَاخِيَ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْفَوْرِ وَلَيْسَ هُوَ بِحَقٍّ، فَتَعَدِّيهِ بِالتَّأْخِيرِ لَيْسَ هُوَ نَفْسَ إهْلَاكِ الْمَالِ وَلَا سَبَبًا لَهُ، فَإِنَّ التَّأْخِيرَ لَمْ يُوضَعْ لِلْهَلَاكِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ الْوَاجِبَ جُزْءٌ مِنْ النِّصَابِ تَحْقِيقًا لِلتَّيْسِيرِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ لَمَّا وَجَبَتْ قَلِيلًا مِنْ كَثِيرٍ مِنْ بَعْضِ الْأَمْوَالِ لَا مِنْ كُلِّ مَالٍ، بَلْ مِمَّا بِحَيْثُ يَنْمُو لِيَنْجَبِرَ الْمُؤَدِّي بِالنَّمَاءِ. وَشُرِطَ مَعَ ذَلِكَ الْحَوْلُ تَحْقِيقًا لِقَصْدِ النَّمَاءِ كَانَتْ وَاجِبَةً بِصِفَةِ الْيُسْرِ، وَالْحَقُّ مَتَى وَجَبَ بِصِفَةٍ لَا يَبْقَى إلَّا بِتِلْكَ الصِّفَةِ، وَتَحْقِيقُ ذَلِكَ بِأَنْ يُعْتَبَرَ الْوَاجِبُ أَدَاءَ جُزْءٍ مِنْ هَذِهِ النِّعْمَةِ غَيْرَ أَنَّ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ غَيْرَهُ فَيَسْقُطَ بِهَلَاكِهِ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ، وَالْقول بِبَقَاءِ الْوَاجِبِ بَعْدَ هَلَاكِهِ يُحِيلُهُ إلَى صِفَةِ الْعُسْرِ فَلَا يَكُونُ الْبَاقِي ذَلِكَ الَّذِي وَجَبَ بَلْ غَيْرُهُ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْوَاجِبَ فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ جُزْءٌ مِنْهَا وَالشَّاةُ تَقْدِيرُ مَالِيَّتِهِ لِعُسْرِ نَحْرِ أَحَدِهَا لِيُعْطِيَ بَعْضَهَا، بَلْ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْبَعْضُ رُبْعَ عُشْرٍ كُلَّهَا تَوَقَّفَ تَحْقِيقُهُ عَلَى نَحْرِ كُلِّهَا، وَفِيهِ مِنْ الْحَرَجِ مَا لَا يَخْفَى ثُمَّ الظَّوَاهِرُ تُؤَيِّدُ مَا قُلْنَا مِثْلُ قولهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسلام: «هَاتُوا رُبْعَ الْعُشُورِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ». وَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ بَابِ صَدَقَةِ الْبَقَرِ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ، وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ «بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْيَمَنِ فَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً».
قولهُ: (كَدَفْعِ الْعَبْدِ بِالْجِنَايَةِ يَسْقُطُ) فَإِذَا لَمْ يَدْفَعْهُ الْمَوْلَى حَتَّى هَلَكَ سَقَطَ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إقَامَةُ عَبْدٍ مَقَامَهُ.
قولهُ: (قِيلَ يَضْمَنُ) وَهُوَ قول الْكَرْخِيِّ (وَقِيلَ لَا يَضْمَنُ) وَهُوَ قول أَبِي سُهَيْلٍ الزَّجَّاجِيِّ، وَهُوَ أَشْبَهُ بِالْفِقْهِ لِأَنَّ السَّاعِيَ وَإِنْ تَعَيَّنَ لَكِنْ لِلْمَالِكِ رَأْيٌ فِي اخْتِيَارِ مَحَلِّ الْأَدَاءِ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالْقِيمَةِ، ثُمَّ الْقِيمَةُ شَائِعَةٌ فِي مَحَالَّ كَثِيرَةٍ، وَالرَّأْيُ يَسْتَدْعِي زَمَانًا فَالْحَبْسُ لِذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْ عَلَى أَحَدٍ مِلْكًا وَلَا يَدًا، بِخِلَافِ مَنْعِ الْوَدِيعَةِ بَعْدَ طَلَبِ صَاحِبِهَا فَإِنَّهُ بَدَلُ الْيَدِ بِذَلِكَ فَصَارَ مُفَوِّتًا لِيَدِ الْمَالِكِ.
فُرُوعٌ تَتَعَلَّقُ بِالْمَحَلِّ:
اسْتِبْدَالُ مَالِ التِّجَارَةِ بِمَالِ التِّجَارَةِ لَيْسَ اسْتِهْلَاكًا بِغَيْرِ مَالِ التِّجَارَةِ اسْتِهْلَاكٌ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَنْوِيَ فِي الْبَدَلِ عَدَمَ التِّجَارَةِ عِنْدَ الِاسْتِبْدَالِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْوِ فِي الْبَدَلِ عَدَمَ التِّجَارَةِ وَقَدْ كَانَ الْأَصْلُ لِلتِّجَارَةِ يَقَعُ الْبَدَلُ لِلتِّجَارَةِ وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهَا عِنْدَ مَالِكِهِ. فِي الْكَافِي: لَوْ تَقَايَضَا عَبْدًا بِعَبْدٍ وَلَمْ يَنْوِيَا شَيْئًا فَإِنْ كَانَا لِلتِّجَارَةِ فَهُمَا لِلتِّجَارَةِ أَوْ لِلْخِدْمَةِ فَهُمَا لِلْخِدْمَةِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا لِلتِّجَارَةِ وَالْآخَرُ لِلْخِدْمَةِ فَبَدَلُ مَا كَانَ لِلتِّجَارَةِ لِلتِّجَارَةِ وَبَدَلُ مَا كَانَ لِلْخِدْمَةِ لِلْخِدْمَةِ، فَلَوْ اسْتَبْدَلَ بَعْدَ الْحَوْلِ ثُمَّ هَلَكَ الْبَدَلُ بِغَيْرِ صُنْعٍ مِنْهُ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ عَنْ الْأَصْلِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْبَدَلُ مَالَ تِجَارَةٍ لَا يَضْمَنُ زَكَاةَ الْأَصْلِ بِهَلَاكِ الْبَدَلِ، وَاسْتِبْدَالُ السَّائِمَةِ اسْتِهْلَاكٌ مُطْلَقًا سَوَاءٌ اسْتَبْدَلَهَا بِسَائِمَةٍ مِنْ جِنْسِهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ سَائِمَةِ دَرَاهِمَ أَوْ عُرُوضٍ لِتَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِالْعَيْنِ أَوَّلًا وَبِالذَّاتِ وَقَدْ تَبَدَّلَتْ، فَإِذَا هَلَكَتْ سَائِمَةُ الْبَدَلِ تَجِبُ الزَّكَاةُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إذَا اسْتَبْدَلَ بِهَا بَعْدَ الْحَوْلِ، أَمَّا إذَا بَاعَهَا قَبْلَهُ فَلَا حَتَّى لَا تَجِبَ الزَّكَاةُ فِي الْبَدَلِ إلَّا بِحَوْلٍ جَدِيدٍ أَوْ يَكُونَ لَهُ دَرَاهِمُ وَقَدْ بَاعَهَا بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ. وَإِقْرَاضُ النِّصَابِ الدَّرَاهِمَ بَعْدَ الْحَوْلِ لَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ، فَلَوْ تَوَى الْمَالَ عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ لَا تَجِبُ وَمِثْلُهُ إعَارَةُ ثَوْبِ التِّجَارَةِ. رَجُلٌ لَهُ أَلْفٌ حَالَ حَوْلُهَا فَاشْتَرَى بِهَا عَبْدَ التِّجَارَةِ فَمَاتَ أَوْ عُرُوضًا لِلتِّجَارَةِ فَهَلَكَتْ بَطَلَتْ عَنْهُ زَكَاةُ الْأَلْفِ، وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ لِلْخِدْمَةِ لَمْ تَسْقُطْ بِمَوْتِهِ، فَلَوْ كَانَ فِيهِ غَبْنٌ فَاحِشٌ ضَمِنَ. فِي الْوَجْهُ الْأَوَّلِ عُلِمَ أَوَّلًا لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَهْلِكًا فِي قَدْرِ الْغَبْنِ إذْ لَمْ يَحْصُلْ بِإِزَائِهِ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا اسْتَوَى الْعِلْمُ وَعَدَمُهُ لِأَنَّهُ بَاطِلٌ فَلَا يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِهِ، وَلَوْ كَانَ وَهَبَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ ثُمَّ رَجَعَ بِقَضَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَوْ هَلَكَتْ عِنْدَهُ بَعْدَ الرُّجُوعِ لِأَنَّ الرُّجُوعَ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ وَالنُّقُودُ تَتَعَيَّنُ فِي مِثْلِهِ فَعَادَ إلَيْهِ قَدِيمُ مِلْكِهِ ثُمَّ هَلَكَ فَلَا ضَمَانَ، وَلَوْ رَجَعَ بَعْدَمَا حَالَ الْحَوْلُ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَكَذَلِكَ، خِلَافًا لِزُفَرَ لَوْ كَانَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَإِنَّهُ يَقول: يَجِبُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ فَإِنَّهُ مُخْتَارٌ فَكَانَ تَمْلِيكًا. قُلْنَا: بَلْ غَيْرُ مُخْتَارٍ لِأَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ عَنْ الرَّدِّ أُجْبِرَ.
وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي لَوْ رَدَّ عَبْدَ الْخِدْمَةِ بِعَيْبٍ وَاسْتَرَدَّ الْأَلْفَ لَمْ يَبْرَأْ لَوْ هَلَكَتْ لِأَنَّ وُجُوبَ الرَّدِّ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِعَيْنِ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ فَلَمْ يَعُدْ إلَيْهِ قَدِيمُ مِلْكِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ اشْتَرَى الْعَبْدَ بِعَرْضِ التِّجَارَةِ وَحَالَ حَوْلُهُ فَرَدَّ بِقَضَاءٍ لِأَنَّهُ عَادَ إلَيْهِ قَدِيمُ مِلْكِهِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ ضَمِنَ لِأَنَّهُ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ الزَّكَاةِ وَعَنْ هَذَا قُلْنَا لَوْ بَاعَ عَبْدَ الْخِدْمَةِ بِأَلْفٍ فَحَالَ عَلَى الثَّمَنِ الْحَوْلُ فَرَدَّ بِهِ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ أَوْ رِضَاءٍ زَكَّى الثَّمَنَ لِعَدَمِ التَّعَيُّنِ، وَلَوْ بَاعَهُ بِعُرُضٍ لِلتِّجَارَةِ فَرَدَّ بِعَيْبٍ بَعْدَ الْحَوْلِ إنْ كَانَ بِقَضَاءٍ لَمْ يُزَكِّ الْبَائِعُ الْعَرْضَ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ، وَلَا الْعَبْدَ لِأَنَّهُ كَانَ لِلْخِدْمَةِ وَقَدْ عَادَ إلَيْهِ قَدِيمُ مِلْكِهِ وَإِنْ كَانَ بِلَا قَضَاءٍ لَمْ يُزَكِّ الْمُشْتَرِي الْعَرْضَ وَزَكَّاهُ الْبَائِعُ لِأَنَّهُ كَالْبَيْعِ الْجَدِيدِ حَتَّى يَصِيرَ الْعَبْدُ الَّذِي اشْتَرَاهُ لِلتِّجَارَةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ كَانَ لِلتِّجَارَةِ، فَكَذَا الْبَدَلُ فَإِنْ نَوَى فِيهِ الْخِدْمَةَ كَانَ زَكَاةُ الْعَرْضِ مَضْمُونًا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ اسْتَهْلَكَهُ حَيْثُ اسْتَبْدَلَهُ بِغَيْرِ مَالِ التِّجَارَةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

متن الهداية:
(وَإِنْ قَدَّمَ الزَّكَاةَ عَلَى الْحَوْلِ وَهُوَ مَالِكٌ لِلنِّصَابِ جَازَ) لِأَنَّهُ أَدَّى بَعْدَ سَبَبِ الْوُجُوبِ فَيَجُوزُ كَمَا إذَا كَفَّرَ بَعْدَ الْجُرْحِ، وَفِيهِ خِلَافُ مَالِكٍ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَهُوَ مَالِكٌ لِلنِّصَابِ) تَنْصِيصٌ عَلَى شَرْطِ جَوَازِ التَّعْجِيلِ فَلَوْ مَلَكَ أَقَلَّ فَعَجَّلَ خَمْسَةً عَنْ مِائَتَيْنِ ثُمَّ تَمَّ الْحَوْلُ عَلَى مِائَتَيْنِ لَا يَجُوزُ، وَفِيهِ شَرْطَانِ آخَرَانِ أَنْ لَا يَنْقَطِعَ النِّصَابُ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ، فَلَوْ عَجَّلَ خَمْسَةً مِنْ مِائَتَيْنِ ثُمَّ هَلَكَ مَا فِي يَدِهِ إلَّا دِرْهَمًا ثُمَّ اسْتَفَادَ فَتَمَّ الْحَوْلُ عَلَى مِائَتَيْنِ جَازَ مَا عَجَّلَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ يَبْقَ الدِّرْهَمُ وَأَنْ يَكُونَ النِّصَابُ كَامِلًا فِي آخِرِ الْحَوْلِ، فَلَوْ عَجَّلَ شَاةً مِنْ أَرْبَعِينَ وَحَالَ الْحَوْلُ وَعِنْدَهُ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ حَتَّى أَنَّهُ إنْ كَانَ صَرَفَهَا لِلْفُقَرَاءِ وَقَعَتْ نَفْلًا، وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً فِي يَدِ السَّاعِي أَوْ الْإِمَامِ أَخَذَهَا، وَلَوْ كَانَ الْأَدَاءُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَقَعَ عَنْ الزَّكَاةِ وَإِنْ انْتَقَصَ النِّصَابُ بِأَدَائِهِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ نَقْلًا مِنْ الْإِيضَاحِ وَهُوَ فِي فَصْلِ السَّاعِي خِلَافُ الصَّحِيحِ، بَلْ الصَّحِيحُ فِيمَا إذَا كَانَتْ فِي يَدِ السَّاعِي وُقُوعُهَا زَكَاةً فَلَا يَسْتَرِدُّهَا كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ. رَجُلٌ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ إلَّا يَوْمًا فَعَجَّلَ مِنْ زَكَاتِهَا شَيْئًا ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ عَلَى مَا بَقِيَ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ تَصَدَّقَ بِشَاةٍ بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ عَلَى الْفَقِيرِ مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً فَتَمَّ الْحَوْلُ لَا تَجُوزُ عَنْ الزَّكَاةِ. أَمَّا لَوْ عَجَّلَ شَاةً عَنْ أَرْبَعِينَ إلَى الْمُصَدِّقِ فَتَمَّ الْحَوْلُ وَالشَّاةُ فِي يَدِ الْمُصَدِّقِ جَازَ، هُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّ الدَّفْعَ إلَى الْمُصَدِّقِ لَا يُزِيلُ مِلْكَهُ عَنْ الْمَدْفُوعِ. وَبَسَطَهُ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ إذَا عَجَّلَ خَمْسَةً مِنْ مِائَتَيْنِ فَأَمَّا إنْ حَالَ الْحَوْلُ وَعِنْدَهُ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَتِسْعُونَ أَوْ اسْتَفَادَ خَمْسَةً أُخْرَى فَحَالَ عَلَى مِائَتَيْنِ أَوْ انْتَقَصَ مِنْ الْبَاقِي دِرْهَمٌ فَصَاعِدًا: الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: إذَا لَمْ تَزِدْ وَلَمْ تَنْقُصْ، فَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْخَمْسَةُ قَائِمَةً فِي يَدِ السَّاعِي فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجِبَ الزَّكَاةُ وَيَأْخُذَ الْخَمْسَةَ مِنْ السَّاعِي لِأَنَّهَا خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ بِالدَّفْعِ إلَى السَّاعِي، وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ فَهِيَ فِي مَعْنَى الضِّمَارِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الِاسْتِرْدَادَ قَبْلَ الْحَوْلِ.
وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَجِبُ الزَّكَاةُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ يَدَ السَّاعِي فِي الْمَقْبُوضِ يَدُ الْمَالِكِ قَبْلَ الْوُجُوبِ، فَقِيَامُهَا فِي يَدِهِ كَقِيَامِهَا فِي يَدِ الْمَالِكِ، وَلِأَنَّ الْمُعَجَّلَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَصِيرَ زَكَاةً فَتَكُونَ يَدُهُ يَدَ الْفُقَرَاءِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَصِيرَ زَكَاةً فَتَكُونَ يَدُهُ يَدَ الْمَالِكِ، فَاعْتَبَرْنَا يَدَهُ يَدَ الْمَالِكِ احْتِيَاطًا، وَلِأَنَّ الْقول بِنَفْيِ الْوُجُوبِ يُؤَدِّي إلَى الْمُنَاقَضَةِ. بَيَانُهُ أَنَّا لَوْ لَمْ نُوجِبْ الزَّكَاةَ بَقِيَتْ الْخَمْسَةُ عَلَى مِلْكِ الْمَالِكِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ حَالَ الْحَوْلُ وَالنِّصَابُ كَامِلٌ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى عَدَمِ تَقْدِيرِ إيجَابِ الزَّكَاةِ، وَإِذَا قُلْنَا تَجِبُ تَجِبُ مَقْصُورًا عَلَى الْحَالِّ لَا مُسْتَنِدًا لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَنَدَ الْوُجُوبُ إلَى أَوَّلِ الْحَوْلِ بَقِيَ النِّصَابُ نَاقِصًا فِي آخِرِ الْحَوْلِ فَيَبْطُلُ الْوُجُوبُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَمْلِكْ الِاسْتِرْدَادَ لِأَنَّهُ عَيَّنَهَا زَكَاةً مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، فَمَا دَامَ احْتِمَالُ الْوُجُوبِ قَائِمًا لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ، كَمَنْ نَقَدَ الثَّمَنَ فِي بَيْعٍ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ لَا يُمْكِنُهُ الِاسْتِرْدَادُ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ تَعَلَّقَ حَقُّ الْفُقَرَاءِ بِهِ مَعَ بَقَاءِ مِلْكِ الْمَالِكِ، وَلِهَذَا لَمْ يَصِرْ ضِمَارًا لِأَنَّهُ أَعَدَّهَا لِغَرَضٍ وَالْمُعَدُّ لِغَرَضٍ لَيْسَ ضِمَارًا فَجَعْلُهَا ضِمَارًا مُبْطِلٌ لِغَرَضِهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ السَّاعِي اسْتَهْلَكَهَا أَوْ أَنْفَقَهَا عَلَى نَفْسِهِ قَرْضًا لِأَنَّ بِذَلِكَ وَجَبَ الْمِثْلُ فِي ذِمَّتِهِ، وَذَلِكَ كَقِيَامِ الْعَيْنِ فِي يَدِهِ، وَكَذَا لَوْ أَخَذَهَا السَّاعِي، عِمَالَةً، لِأَنَّ الْعِمَالَةَ إنَّمَا تَكُونُ فِي الْوَاجِبِ لِأَنَّ قَبْضَهُ لِلْوَاجِبِ يَكُونُ لِلْفُقَرَاءِ فَيَتَحَقَّقُ حِينَئِذٍ سَبَبُ الْعِمَالَةِ وَمَا قَبَضَهُ غَيْرُ وَاجِبٍ. وَلَا يُقَالُ: مَا فِي ذِمَّةِ السَّاعِي دَيْنٌ وَأَدَاءُ الدَّيْنِ مِنْ الْعَيْنِ لَا يَجُوزُ. لِأَنَّا نَقول: هَذَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ عَلَى غَيْرِ السَّاعِي، أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى السَّاعِي فَيَجُوزُ لِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ لَهُ فَلَا يُفِيدُ الطَّلَبَ مِنْهُ ثُمَّ دَفْعَهَا إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ السَّاعِي صَرَفَهَا إلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ إلَى نَفْسِهِ وَهُوَ فَقِيرٌ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ لِأَنَّ السَّاعِيَ مَأْمُورٌ بِالصَّرْفِ إلَيْهِمْ، وَلَوْ صَرَفَ الْمَالِكُ بِنَفْسِهِ يَصِيرُ مِلْكًا وَيُنْتَقَصُ بِهِ النِّصَابُ فَكَذَلِكَ هُنَا. وَلَوْ ضَاعَتْ مِنْ السَّاعِي قَبْلَ الْحَوْلِ وَوَجَدَهَا بَعْدَهُ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ وَلِلْمَالِكِ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا، كَمَا لَوْ ضَاعَتْ مِنْ يَدِ الْمَالِكِ نَفْسِهِ فَوَجَدَهُ بَعْدَهُ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الِاسْتِرْدَادَ لِأَنَّهُ عَيَّنَهَا لِزَكَاةِ هَذِهِ السَّنَةِ وَلَمْ تَصِرْ. قُلْت: لِأَنَّ بِالضَّيَاعِ صَارَ ضِمَارًا، فَلَوْ لَمْ يَسْتَرِدَّهَا حَتَّى دَفَعَهَا السَّاعِي إلَى الْفُقَرَاءِ لَمْ يَضْمَنْ إلَّا إنْ كَانَ الْمَالِكُ نَهَاهُ. قِيلَ هَذَا. عِنْدَهُمَا، أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَضْمَنُ، وَأَصْلُهُ الْوَكِيلُ بِدَفْعِ الزَّكَاةِ إذَا أَدَّى بَعْدَ أَدَاءِ الْمُوَكِّلِ بِنَفْسِهِ يَضْمَنُ عِنْدَهُ عَلِمَ بِأَدَائِهِ أَوْ لَا، وَعِنْدَهُمَا لَا إلَّا إنْ عَلِمَهُ. الْفَصْلُ الثَّانِي: إذَا اسْتَفَادَ خَمْسَةً فَتَمَّ الْحَوْلُ عَلَى مِائَتَيْنِ يَصِيرُ الْمُؤَدَّى زَكَاةً فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا مِنْ وَقْتِ التَّعْجِيلِ، وَإِلَّا يَلْزَمُ هُنَا كَوْنُ الدَّيْنِ زَكَاةً عَنْ الْعَيْنِ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ تِلْكَ الْخَمْسَةِ وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً عِنْدَ السَّاعِي، أَمَّا عِنْدَ فَلِأَنَّهُ لَا يَرَى الزَّكَاةَ فِي الْكُسُورِ. وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّهَا ظَهَرَ خُرُوجُهَا مِنْ مِلْكِهِ مِنْ وَقْتِ التَّعْجِيلِ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ إنَّمَا يَخُصُّهُمَا فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ. فَأَمَّا لَوْ مَلَكَ مِائَتَيْنِ فَعَجَّلَهَا كُلَّهَا صَحَّ وَلَا يَسْتَرِدُّهَا قَبْلَ الْحَوْلِ كَمَا فِي غَيْرِهَا لِاحْتِمَالِ وُقُوعِهَا زَكَاةً بِأَنْ يَسْتَفِيدَ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ ثَمَانِيَةَ آلَافٍ، فَلَوْ اسْتَفَادَهَا لَا تَجِبُ زَكَاةُ هَذِهِ الْمِائَتَيْنِ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ بِالِاتِّفَاقِ. الْفَصْلُ الثَّالِثُ: إذَا انْتَقَصَ عَمَّا فِي يَدِهِ فَلَا تَجِبُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا فَيَسْتَرِدُّ إنْ كَانَتْ فِي يَدِ السَّاعِي، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا أَوْ أَكَلَهَا قَرْضًا أَوْ بِجِهَةِ الْعِمَالَةِ ضَمِنَ، وَلَوْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ نَفْسِهِ وَهُوَ فَقِيرٍ لَا يَضْمَنُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ إلَّا إنْ تَصَدَّقَ بِهَا بَعْدَ الْحَوْلِ فَيَضْمَنُ عِنْدَهُ عَلِمَ بِالنُّقْصَانِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَعِنْدَهُمَا إنْ عَلِمَ، وَلَوْ كَانَ نَهَاهُ ضَمِنَ عِنْدَ الْكُلِّ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ أَنَّ السَّاعِيَ إذَا أَخَذَ الْخَمْسَةَ عِمَالَةً ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ وَلَمْ يَكْمُلْ النِّصَابُ فِي يَدِ الْمَالِكِ تَقَعُ الْخَمْسَةُ زَكَاةً بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِسَبَبِ لُزُومِ الضَّمَانِ عَلَى السَّاعِي لِأَنَّهُ لَا عِمَالَةَ فِي غَيْرِ الْوَاجِبِ ذَكَرَ فِي مِثْلِهِ مِنْ السَّائِمَةِ خِلَافَهُ بَعْدَ قَرِيبٍ وَقَالَ مَا حَاصِلُهُ: إذَا عَجَّلَ شَاةً عَنْ أَرْبَعِينَ فَتَصَدَّقَ بِهَا السَّاعِي قَبْلَ الْحَوْلِ وَتَمَّ الْحَوْلُ وَلَمْ يَسْتَفِدْ شَيْئًا يَقَعُ تَطَوَّعَا وَلَا يَضْمَنُ، وَلَوْ بَاعَهَا السَّاعِي لِلْفُقَرَاءِ وَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهَا فَكَذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ قَائِمًا فِي يَدِهِ يَأْخُذُهُ الْمَالِكُ لِأَنَّهُ بَدَلُ مِلْكِهِ، وَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ لِأَنَّ نِصَابَ السَّائِمَةِ نَقَصَ قَبْلَ الْحَوْلِ وَلَا يَكْمُلُ بِالثَّمَنِ، فَإِنْ كَانَتْ الشَّاةُ قَائِمَةً فِي يَدِ السَّاعِي صَارَتْ زَكَاةً كَمَا قَدَّمْنَا لِأَنَّ قِيَامَهَا فِي يَدِهِ كَقِيَامِهَا فِي يَدِ الْمَالِكِ. وَلَوْ كَانَ السَّاعِي أَخَذَهَا مِنْ عِمَالَتِهِ وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ أَوْ جَعَلَهَا الْإِمَامُ لَهُ عِمَالَةً فَتَمَّ الْحَوْلُ وَعِنْدَ الْمَالِكِ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ وَالْمُعَجَّلُ قَائِمٌ فِي يَدِ السَّاعِي فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ. وَيَسْتَرِدُّهَا لِأَنَّهُ لَمَّا أَخَذَهَا مِنْ الْعِمَالَةِ زَالَتْ عَنْ مِلْكِهِ فَانْتَقَصَ النِّصَابُ فَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ. وَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ بِسَبَبٍ فَاسِدٍ، فَإِنْ كَانَ السَّاعِي بَاعَهَا قَبْلَ الْحَوْلِ أَوْ بَعْدَهُ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ كَالْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا إذَا بَاعَ جَازَ بَيْعُهُ وَيَضْمَنُ قِيمَتَهَا لِلْمَالِكِ وَيَكُونُ الثَّمَنُ لَهُ لِأَنَّهُ بَدَلُ مِلْكِهِ. فَإِنْ قُلْت: لِمَ كَانَ هَذَا الِاخْتِلَافُ، قُلْت: لِأَنَّهُ لَمَّا خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِ الْمُعَجِّلِ بِذَلِكَ السَّبَبِ فَحِينَ تَمَّ الْحَوْلُ يَصِيرُ ضَامِنًا بِالْقِيمَةِ وَالسَّائِمَةُ لَا يَكْمُلُ نِصَابُهَا بِالدَّيْنِ كَمَا ذَكَرْنَا، هَذَا وَمَهْمَا تَصَدَّقَ السَّاعِي مِمَّا عَجَّلَ مِنْ نَقْدٍ أَوْ سَائِمَةٍ قَبْلَ الْحَوْلِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، بَلْ إمَّا أَنْ يَقَعَ نَفْلًا إنْ لَمْ يَكْمُلْ. أَوْ بَعْضُهُ إنْ كَانَ عَنْ نُصُبٍ فِي يَدِهِ فَهَلَكَ بَعْضُهَا أَوْ قَرْضًا أَوْ بَعْدَهُ فِي مَوْضِعٍ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ. كَمَا لَوْ انْتَقَضَ النِّصَابُ ضَمِنَ عَلِمَ أَوْ لَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعِنْدَهُمَا لَا يَضْمَنُ إلَّا إنْ عَلِمَ بِالِانْتِقَاصِ، فَإِنْ كَانَ الْمَالِكُ نَهَاهُ بَعْدَ الْحَوْلِ ضَمِنَ عِنْدَ الْكُلِّ وَقَبْلَهُ لَا.
قولهُ: (وَفِيهِ خِلَافُ مَالِكٍ) هُوَ يَقول الزَّكَاةُ إسْقَاطُ الْوَاجِبِ وَلَا إسْقَاطَ قَبْلَ الْوُجُوبِ، وَصَارَ كَالصَّلَاةِ قَبْلَ الْوَقْتِ بِجَامِعِ أَنَّهُ أَدَاءٌ قَبْلَ السَّبَبِ إذْ السَّبَبُ هُوَ النِّصَابُ الْحَوْلِيُّ وَلَمْ يُوجَدْ. قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ اعْتِبَارَ الزَّائِدِ عَلَى مُجَرَّدِ النِّصَابِ جُزْءًا مِنْ السَّبَبِ بَلْ هُوَ النِّصَابُ فَقَطْ. وَالْحَوْلُ تَأْجِيلٌ فِي الْأَدَاءِ بَعْدَ أَصْلِ الْوُجُوبِ فَهُوَ كَالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ. وَتَعْجِيلُ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ صَحِيحٌ، فَالْأَدَاءُ بَعْدَ النِّصَابِ كَالصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ لَا قَبْلَهُ، وَكَصَوْمِ الْمُسَافِرِ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ بَعْدَ السَّبَبِ، بِخِلَافِ الْعُشْرِ لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُهُ لِأَنَّهُ يَكُونُ قَبْلَ السَّبَبِ، إذْ السَّبَبُ فِيهِ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ بِالْخَارِجِ تَحْقِيقًا، فَمَا لَمْ يَخْرُجْ بِالْفِعْلِ لَا يَتَحَقَّقُ السَّبَبُ، وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الِاعْتِبَارِ مَا فِي أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَنَّ الْعَبَّاسَ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَعْجِيلِ زَكَاتِهِ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مُسَارَعَةً إلَى الْخَيْرِ فَأَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ» وَلَوْ سَلِمَ مَا ذُكِرَ فَصِفَةُ الْحَوْلِيِّ تَسْتَنِدُ إلَى أَوَّلِ الْحَوْلِ لِأَنَّهُ مَا حَالَ عَلَيْهِ. وَالْحَوْلُ اسْمٌ لِأَوَّلِهِ إلَى آخِرٍ، فَفِي أَوَّلِهِ يَثْبُتُ جُزْءٌ مِنْ السَّبَبِ وَقَدْ ثَبَتَ الْحُكْمُ فِي مِثْلِهِ عِنْدَ وُجُودِ جُزْئِهِ إذَا كَانَ الْبَاقِي مُتَرَقَّبًا وَاقِعًا ظَاهِرًا كَالتَّرَخُّصِ فِي ابْتِدَاءِ السَّفَرِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ قَدْ يُقَالُ عَلَى مَا أَوْرَدْنَاهُ فِيمَا غَيْرُ عِلَّةِ الرُّخْصَةِ قَصْدُ أَقَلِّ السَّفَرِ آخِذًا فِيهِ لَا وُجُودَ أَقَلِّهِ فَالتَّرَخُّصُ فِي ابْتِدَائِهِ بَعْدَ تَمَامِ السَّبَبِ، عَلَى أَنَّا لَا نَجْزِمُ بِوُقُوعِ الْمُعَجَّلِ زَكَاةً فِي الْحَالِّ بَلْ ذَلِكَ مَوْقُوفٌ إلَى آخِرِ الْحَوْلِ، فَإِنْ تَمَّ وَالنِّصَابُ كَامِلٌ تَبَيَّنَ ذَلِكَ وَإِلَّا تَبَيَّنَ أَنَّهُ وَقَعَ نَفْلًا.

متن الهداية:
(وَيَجُوزُ التَّعْجِيلُ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ) لِوُجُودِ السَّبَبِ، وَيَجُوزُ لِنُصُبٍ إذَا كَانَ فِي مِلْكِهِ نِصَابٌ وَاحِدٌ خِلَافًا لِزُفَرَ لِأَنَّ النِّصَابَ الْأَوَّلَ هُوَ الْأَصْلُ فِي السَّبَبِيَّةِ وَالزَّائِدُ عَلَيْهِ تَابِعٌ لَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَيَجُوزُ التَّعْجِيلُ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ) وَعَلَيْهِ يَتَفَرَّعُ مَا لَوْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُمِائَةٍ فَعَجَّلَ عَنْ خَمْسِمِائَةٍ ظَانًّا أَنَّهَا فِي مِلْكِهِ لَهُ أَنْ يَحْتَسِبَ الزِّيَادَةَ مِنْ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، وَلَوْ حَالَ عَلَى مِائَتَيْنِ فَأَدَّى خَمْسَةً وَعَجَّلَ خَمْسَةً ثُمَّ اسْتَفَادَ عَشْرَةً جَازَ.
وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ الْمُعَجَّلُ عَنْ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا تَمَّ الْحَوْلُ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فَانْتَقَصَ النِّصَابُ فَقَدْ وُجِدَ الْحَوْلُ الثَّانِي وَالنِّصَابُ مُنْتَقِصٌ. قُلْنَا: الْوُجُوبُ يُقَارِنُ دُخُولَ الْحَوْلِ الثَّانِي فَيَكُونُ الِانْتِقَاصُ بَعْدَهُ فَلَمْ يَمْقَعْ انْعِقَادَ الْحَوْلِ.
قولهُ: (وَيَجُوزُ لِنُصُبٍ إذَا كَانَ فِي مِلْكِهِ نِصَابٌ وَاحِدٌ) وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ إلَّا عَمَّا فِي مِلْكِهِ وَإِلَّا لَزِمَ تَقْدِيمُ الْحُكْمِ عَلَى السَّبَبِ. وَجَوَابُهُ أَنَّ النِّصَابَ الْأَوَّلَ هُوَ السَّبَبُ الْأَصْلِيُّ وَمَا سِوَاهُ تَبَعٌ لَهُ فَلَمْ يَتَقَدَّمْ السَّبَبُ. وَفِيهِ أَنْ يُقَالَ: إنْ اُعْتُبِرَ سَبَبًا لِوُجُوبِ عَشَرَةٍ مَثَلًا فَبَاطِلٌ وَإِلَّا لَا يُفِيدُ، وَكَوْنُهُ الْأَصْلَ بِمَعْنَى أَوَّلِ مَكْسُوبٍ لَا يُوجِبُ لُزُومَ هَذَا الِاعْتِبَارِ شَرْعًا إلَّا بِسَمْعِيٍّ لَكِنَّهُ قَدْ وُجِدَ فَهُوَ الدَّلِيلُ. فَلَوْ مَلَكَ مِائَتَيْنِ فَجَعَلَ مِنْهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ عَنْ أَلْفٍ ثُمَّ اسْتَفَادَهَا فَتَمَّ الْحَوْلُ وَعِنْدَهُ أَلْفٌ جَازَ عَنْ الْأَلْفِ.
وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: لَوْ كَانَ لَهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ الْحَوَامِلِ: يَعْنِي الْحَبَالَى فَعَجَّلَ شَاتَيْنِ عَنْهَا وَعَمَّا فِي بُطُونِهَا ثُمَّ نَتَجَتْ خَمْسًا قَبْلَ الْحَوْلِ أَجْزَأَهُ عَمَّا عَجَّلَ، وَإِنْ عَجَّلَ عَمَّا تَحْمِلُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لَا يَجُوزُ.اهـ. وَقَدْ يُقَالُ: لَيْسَ فِي هَذَا أَكْثَرُ مِنْ كَوْنِهِ عَيْنَ الْمَدْفُوعِ عَنْهُ، وَلَوْ كَانَ الْمَدْفُوعُ عَنْهُ فِي يَدِهِ فَأَخْرَجَ عَنْهُ عَيْنًا قَدْرَ زَكَاتِهِ وَعِنْدَهُ مِنْ جِنْسِهِ غَيْرُهُ أَيْضًا لَا يَضُرُّ وَيَلْغُوا تَعْيِينُهُ، فَكَذَا هَذَا إذْ لَا فَرْقَ سِوَى أَنَّ الْمُخْرَجَ عَنْهُ مَعْدُومٌ فِي الْحَالِّ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ لِأَنَّ جَوَازَ التَّعْجِيلِ لِنُصُبٍ لَيْسَتْ فِي مِلْكِهِ يَسْتَلْزِمُ جَوَازَهُ وَالْمَلْزُومُ ثَابِتٌ فَكَذَا الْآخَرُ، وَإِذْ قَدْ انْسَقْنَا إلَى ذِكْرِ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ أَنَّ التَّعْيِينَ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لَغْوٌ فَلْنَذْكُرْ مِنْ فُرُوعِهِ. رَجُلٌ لَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ بِيضٍ وَأَلْفٌ سُودٌ فَعَجَّلَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ عَنْ الْبِيضِ فَهَلَكَتْ الْبِيضُ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ ثُمَّ تَمَّ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي السُّودِ وَيَكُونُ الْمُخْرَجَ عَنْهَا، وَكَذَا لَوْ عَجَّلَ عَنْ السُّودِ فَهَلَكَتْ وَتَمَّ عَلَى الْبِيضِ وَلَوْ حَالَ وَهُمَا عِنْدَهُ ثُمَّ ضَاعَ أَحَدُ الْمَالَيْنِ كَانَ نِصْفُ مَا عَجَّلَ عَمَّا بَقِيَ وَعَلَيْهِ تَمَامُ زَكَاةِ مَا بَقِيَ، وَكَذَا لَوْ أَدَّى عَنْ أَحَدِهِمَا بَعْدَ الْحَوْلِ كَانَ الْأَدَاءُ عَنْهَا.
وَفِي النَّوَادِرِ خِلَافُ هَذَا قَالَ: إذَا عَجَّلَ عَنْ أَحَدِ الْمَالَيْنِ بِعَيْنِهِ ثُمَّ هَلَكَ بَعْدَ الْحَوْلِ لَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ الْمُعَجَّلِ عَنْ الْبَاقِي وَعَلَيْهِ زَكَاتُهُ، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ. وَلَوْ كَانَ لَهُ أَلْفٌ فَعَجَّلَ عِشْرِينَ ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ ثُمَّ هَلَكَ مِنْهَا ثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَبَقِيَتْ مِائَتَا دِرْهَمٍ فَعَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ لِأَنَّ الْعِشْرِينَ تَشِيعُ فِي الْكُلِّ فَيَكُونُ قَدْ أَعْطَى عَنْ كُلِّ مِائَتَيْنِ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ وَبَقِيَ لِكُلِّ مِائَتَيْنِ دِرْهَمٌ، وَلَوْ هَلَكَتْ الثَّمَانِمِائَةِ قَبْلَ الْحَوْلِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ إلَّا فِي مِائَتَيْنِ. وَلَوْ كَانَ لَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَمِائَةُ دِينَارٍ فَعَجَّلَ عَنْ الدَّنَانِيرِ قَبْلَ الْحَوْلِ دِينَارَيْنِ وَنِصْفًا ثُمَّ ضَاعَتْ قَبْلَ الْحَوْلِ وَحَالَ عَلَى الدَّرَاهِمِ جَازَ مَا عَجَّلَ عَنْ الدَّرَاهِمِ إذَا كَانَ يُسَاوِي خَمْسَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا وَإِلَّا كَمَّلَ، وَكَذَا لَوْ عَجَّلَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ عَنْ الدَّرَاهِمِ ثُمَّ هَلَكَتْ جَازَ عَنْ الدَّنَانِيرِ بِقِيمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَهْلَكْ أَحَدُهُمَا حَتَّى حَالَ الْحَوْلُ ثُمَّ هَلَكَ فَالْمَالُ الَّذِي عَجَّلَ عَنْهُ كَانَ الْمُعَجَّلُ عَنْ الْمَالَيْنِ إلَى آخِرِ مَا قَدَّمْنَا فِي الْبِيضِ وَالسُّودِ. وَهَذَا بِنَاءً عَلَى اتِّحَادِ الْجِنْسِ فِي النَّقْدَيْنِ بِدَلِيلِ ضَمِّ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ لِيَكْمُلَ النِّصَابُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ لَهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَأَرْبَعُونَ مِنْ الْغَنَمِ فَعَجَّلَ شَاةً عَنْ أَحَدِ الصِّنْفَيْنِ ثُمَّ هَلَكَ لَا يَكُونُ عَنْ الْآخَرِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ عَيْنٌ وَدَيْنٌ فَعَجَّلَ عَنْ الْعَيْنِ فَهَلَكَتْ قَبْلَ الْحَوْلِ جَازَ عَنْ الدَّيْنِ، وَإِنْ هَلَكَتْ بَعْدَهُ لَا يَقَعُ عَنْهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.